للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يشترط فقهه ان خالفه القياس لأن الدليل نحو قوله: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} ينفي جواز العمل بخبر الواحد خالفناه فيما إذا كان الراوي فقيها لأن الاعتماد على روايته أوثق فوجب بقاء ما عداه على الأصل رد بأن عدالة الراوي تغلب ظن صدقه والعمل بالظن واجب كما تقرر وبقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله أمرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها" إلى قوله: "فرب حامل فقه ليس بفقيه" ١ فهذا صريح في الباب.

واما الثاني: فلا يخالفه قاطع ولا يقبل التأويل ولا يضره مخالفة القياس ما لم يكن قطعي المقدمات بل يقدم لقلة مقدماته وعمل الأكثر والراوي.

انقضت شروط المخبر بكسر الباء والكلام الآن في شرط المخبر عنه وشرطه أن لا يخالفه دليل قاطع لقيام الإجماع على تقديم المقطوع على المظنون فإن خالفه دليل قاطع فذلك القاطع إما عقلي أو سمعي فإن كان عقليا نظر فإن كان ذلك الخبر قابلا للتأويل القريب الذي طرق أذن من هو أهل اللسان سمعه ولم ينب عنه طبعه وجب تأويله جمعا بين الدليلين.

وإلا قطعنا بأنه لم يصدر من الشارع لأن الدليل القطعي لا يحتمل الصرف عما دل عليه بوجه من الوجوه لا بالتخصيص ولا بالتأويل إلا بغيرهما فيجب القطع بأنه مكذوب على الشارع ضرورة أن الشارع لا يصدر عنه الكذب ولو صدر عنه هذا للزم صدور الكذب وهو محال وإن كان سمعيا فإن لم يكن الجمع بينهما فالحكم كما سبق.

هذا إذا علم تأخير المظنون عن المقطوع أو جهل التاريخ إذ لا يجوز الحمل على النسخ فان نسخ المقطوع بالمظنون غير جائز شرعا فإن علم تأخير المقطوع عنه حمل على أنه منسوخ ولا يقطع بكذبه وإن كان الجمع غير ممكن لتحقق شرط النسخ.


١ حديث صحيح رواه الترمذي من حديث زيد بن ثابت كما رواه أحمد والترمذي وابن حبان من حديث ابن مسعود بلفظ " نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها. ثم بلغها عني فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" وللحديث روايات أخر.
أنظر الفتح الكبير ٣/٢٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>