والإمام ذكرها بعينها في باب الأوامر في القسم الثاني منه في المسائل المعنوية وجعل المسائل الثلاث الأولى في أقسام الوجوب لأنه بحسب المأمور به ينقسم إلى معين ومخير وبحسب وقت المأمور ينقسم إلى مضيق وموسع وبحسب المأمور ينقسم إلى واجب على التعيين وواجب على الكفاية وجعل المسائل الأربع الأخيرة في أحكام الوجوب ولو فعل المصنف كذلك كان أحسن وكأن عذره في ذلك المخير والموسع وفرض الكفايةف مما وقع الكلام فيه وفي تحقيق عروض ذلك الواجب فحسن البحث في أن الوجوب هل له ذلك أو لا وهو حكم وبعد ثبوت هذا الحكم تصير الثلاثة المذكورة أقساما للوجوب الذي هو قسم من أقسام الحكم فصح كل من الاعتبارين وقوله بمعين يعني معين النوع وإلا فالتعيين بالشخص لا يتعلق الوجوب به لأن الشخص دخل في الوجود وما دخل في الوجود لا يصح التكليف به لمراده المعين المعلوم المتميز وقوله وقد يتعلق بمبهم إشارة إلى أن المختار أو الواجب لا بعينه ونقل القاضي إجماع سلف الأمة وأئمة الفقهاء عليه خلافا لكثير من المعتزلة وقوم من نوابذ الفقهاء المعينين لهم على بدعتهم في قوله أن الكل واجب وحرر بعض المتأخرين معنى الإبهام في ذلك فقال إن متعلق الوجوب هو القدر المشترك بين الخصال ولا تخيير فيه ومتعلق التخيير خصوصيات الخصال ولا وجوب فيها وعندي زيادة تحرير أخرى وهو أن القدر المشترك يقال على المتواطئ كالرجل فلا إبهام فيه فإن حقيقته معلومة متميزة عن غيرها من الحقائق ويقال على المبهم بين شيئين أو أشياء كأحد الرجلين والفرق بينهما أن الأول لم يقصد فيه إلا الحقيقة التي هي مسمى الرجولية.
والثاني: قصد فيه أخص من ذلك وهو أحد الشخصين بعينه وإن لم يعين وولذلك سمي مبهما لأنه أبهم علينا أمره والأول لم يقل أحد بأن الوجوب يتعلق بخصوصياته كالأمر بالإعتاق فإن مسمى الإعتاق ومسمى الرقبة متواطئ كالرجل فلا يتعلق للأمر بالخصوصيات لا على التعيين ولا على التخيير ولا يقال فيه واجب مخير ولا يأتي فيه الخلاف وأكثر أوامر الشريعة من ذلك.