للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الثاني فبالظن وكذا نقول يجب في حمار الوحش بقرة لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ١} فنقول المثل واجب والبقرة مثل فإذن هي الواجب فالأول معلوم بالنص وهي المثلية التي هي مناط الحكم أما تحقيق المثلية في البقرة فمعلوم بنوع من المقايسة والاجتهاد وكذلك من أتلف على إنسان فرسا فعلية ضمانه والضمان هو المثل في القيمة أما كون مائة درهم مثلا له في القيمة فيعرف بالاجتهاد ومن هذا القبيل الاجتهاد في القبلة فإنه يجب استقبال جهتها بالنص أما أن هذه هي جهة القبلة فيعلم بالاجتهاد عند تعذر اليقين وكذا العدالة فإن كونها مناط قبول الشهادة معلوم بالإجماع وتحققها في كل واحد من الشهود مظنون وكلما علم وجوبه أو جوازه من حيث الجملة وإنما النظر في تعيينه وتقديره

قال الغزالي وهذا لا خلاف فيه بين الأمة وهو نوع اجتهاد قال والقياس مختلف فيه فكيف يكون هذا قياسا وكيف يكون مختلفا فيه وهي ضرورة كل شريعة لأن التنصيص على عدالة الأشخاص وقدر كفاية كل شخص محال فمن ينكر القياس ينكره حيث يمكن التعريف للحكم بالنص المحيط بمجاري الحكم

وأما تخريج المناط فهو الاجتهاد في استنباطه علة الحكم الذي دل النص والإجماع عليه من غير تعرض لبيان علته لا بالصراحة ولا بالإيماء نحو قوله: "لا تبيعوا البر بالبر إلا مثلا بمثل٢" فإنه ليس فيه ما يدل على أن علة تحريم الربا الطعم لكن المجتهد نظر واستنبط العلة بالطرق العقلية من المناسبة وغيرها فكأن المجتهد أخرج العلة من خفاء فلذلك سمى تخريج المناط بخلاف تنقيح المناط فإنه لم يستخرجه لكونه مذكورا في النص بل نقح المنصوص وأخذ منه ما يصلح للعلية وترك ما لا يصلح قال الغزالي وهذا هو الاجتهاد والقياس الذي عظم فيه الخلاف


١ سورة المائدة "٩٥"
٢ أخرجه مسلم "٣/١٢١١" بلفظ: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والمسلح بالمسلج مثلا بمثل سواء بسواء يد بيدفإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>