وَقَالَ آخَرُونَ: يَتَعَلَّقُ بِقَلِيلِ الْقُرْآنِ وَكَثِيرِهِ لِقَوْلِهِ: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} قَالَ الْقَاضِي وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ التَّامَّ لَا تَتَحَصَّلُ حِكَايَتُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ كَلِمَاتِ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ.
الثَّانِي: اخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْلَمُ إِعْجَازُ الْقُرْآنِ ضَرُورَةً قَالَ الْقَاضِي فَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إِلَى أَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْلَمُ ضَرُورَةً وَكَوْنُهُ مُعْجِزًا يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ: قَالَ: وَالَّذِي نَقُولُهُ إِنَّ الْأَعْجَمِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ إِعْجَازَهُ إِلَّا اسْتِدْلَالًا وَكَذَلِكَ مَنْ لَيْسَ بِبَلِيغٍ فَأَمَّا الْبَلِيغُ الَّذِي قَدْ أَحَاطَ بِمَذَاهِبِ الْعَرَبِ وَغَرَائِبِ الصَّنْعَةِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ ضَرُورَةَ عَجْزِهِ وَعَجْزِ غَيْرِهِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ.
الثَّالِثُ: اخْتُلِفَ فِي تَفَاوُتِ الْقُرْآنِ فِي مَرَاتِبِ الْفَصَاحَةِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ على أنه في أَعْلَى مَرَاتِبِ الْبَلَاغَةِ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ فِي التَّرَاكِيبِ مَا هُوَ أَشَدُّ تَنَاسُبًا وَلَا اعْتِدَالًا فِي إِفَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْهُ فَاخْتَارَ الْقَاضِي الْمَنْعَ وَأَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ فِيهِ مَوْصُوفَةٌ بِالذِّرْوَةِ الْعُلْيَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ أَحْسَنَ إِحْسَاسًا لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَاخْتَارَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ التَّفَاوُتَ فَقَالَ لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ مَا في القرآن أَرْفَعِ الدَّرَجَاتِ فِي الْفَصَاحَةِ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ فِي الْقُرْآنِ الْأَفْصَحُ وَالْفَصِيحُ
وَإِلَى هَذَا نَحَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالًا وَهُوَ أَنَّهُ: لِمَ لَمْ يَأْتِ الْقُرْآنُ جَمِيعُهُ بِالْأَفْصَحِ وَأَجَابَ عَنْهُ الصَّدْرُ مَوْهُوبٌ الْجَزَرِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَوْ جَاءَ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى غَيْرِ النَّمَطِ الْمُعْتَادِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَفْصَحِ وَالْفَصِيحِ فَلَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ فِي الْإِعْجَازِ فَجَاءَ عَلَى نَمَطِ كَلَامِهِمُ الْمُعْتَادِ لِيَتِمَّ ظُهُورُ الْعَجْزِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَلَا يَقُولُوا مَثَلًا أَتَيْتَ بِمَا لَا قُدْرَةَ لَنَا عَلَى جِنْسِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ مِنَ الْبَصِيرِ أَنْ يَقُولَ لِلْأَعْمَى قَدْ غَلَبْتُكَ بِنَظَرِي؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute