لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ إِنَّمَا تَتِمُّ لَكَ الْغَلَبَةُ لَوْ كُنْتُ قَادِرًا عَلَى النَّظَرِ وَكَانَ نَظَرُكَ أَقْوَى من نظري فأما إذ فُقِدَ أَصْلُ النَّظَرِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنِّي الْمُعَارَضَةُ!
الرَّابِعُ: قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي تَنْزِيهِ الْقُرْآنِ عَنِ الشِّعْرِ الْمَوْزُونِ مَعَ أَنَّ الْمَوْزُونَ مِنَ الْكَلَامِ رُتْبَتُهُ فَوْقَ رُتْبَةِ غَيْرِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ مَنْبَعُ الْحَقِّ وَمَجْمَعُ الصِّدْقِ وَقُصَارَى أَمْرِ الشَّاعِرِ التَّخْيِيلُ بِتَصَوُّرِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ وَالْإِفْرَاطُ فِي الْإِطْرَاءِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الذَّمِّ وَالْإِيذَاءُ دُونَ إِظْهَارِ الْحَقِّ وَإِثْبَاتِ الصِّدْقِ وَلِهَذَا نَزَّهَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَنْهُ وَلِأَجْلِ شُهْرَةِ الشِّعْرِ بِالْكَذِبِ سَمَّى أَصْحَابُ الْبُرْهَانِ الْقِيَاسَاتِ الْمُؤَدِّيَةَ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ إِلَى الْبُطْلَانِ وَالْكَذِبِ شِعْرِيَّةً. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَمْ يُرَ مُتَدَيِّنٌ صَادِقُ اللهجة مفلق فِي شِعْرِهِ
وَأَمَّا مَا وُجِدَ فِي الْقُرْآنِ مِمَّا صُورَتُهُ صُورَةُ الْمَوْزُونِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى شِعْرًا لِأَنَّ شَرْطَ الشِّعْرِ الْقَصْدُ وَلَوْ كَانَ شِعْرًا لَكَانَ كُلُّ مَنِ اتَّفَقَ لَهُ فِي كَلَامِهِ شَيْءٌ مَوْزُونٌ شَاعِرًا فَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ شُعَرَاءَ لِأَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَخْلُوَ كَلَامُ أَحَدٍ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ على ألسنة الْفُصَحَاءِ فَلَوِ اعْتَقَدُوهُ شِعْرًا لَبَادَرُوا إِلَى مُعَارَضَتِهِ وَالطَّعْنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ وإنما يقع ذلك لبلوغ الكلام الْغَايَةِ الْقُصْوَى فِي الِانْسِجَامِ وَقِيلَ الْبَيْتُ الْوَاحِدُ وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِهِ لَا يُسَمَّى شِعْرًا وَأَقَلُّ الشَّعْرِ بَيْتَانِ فَصَاعِدًا وَقِيلَ الرَّجَزُ لَا يُسَمَّى شِعْرًا أَصْلًا وَقِيلَ أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجَزِ شِعْرًا أَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ بِحَالٍ.
الْخَامِسُ: قَالَ بَعْضُهُمُ التَّحَدِّي إِنَّمَا وَقَعَ لِلْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي جَاءَ الْقُرْآنُ عَلَى أَسَالِيبِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ} تَعْظِيمًا لِإِعْجَازِهِ لِأَنَّ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute