للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَشْرِ وَأَوَّلُ الْحَدِيدِ وَلَكِنَّهَا آيَاتٌ لَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا قَابَلْتَ آية الكرسي بأحد تِلْكَ الْآيَاتِ وَجَدْتَهَا أَجْمَعَ لِلْمَقَاصِدِ فَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّتِ السِّيَادَةَ عَلَى الْآيِ كَيْفَ وَفِيهَا الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ انْتَهَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ

ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَاتِحَةِ "أَفْضَلُ" وَفِي أَيَّةِ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةٌ لِسِرٍّ وَهُوَ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ فُنُونِ الْفَضْلِ وَأَنْوَاعِهَا الْكَثِيرَةِ يُسَمَّى أَفْضَلَ فَإِنَّ الْفَضْلَ هُوَ الزِّيَادَةُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَزْيَدُ وَأَمَّا السُّؤْدُدُ فَهُوَ رُسُوخُ مَعْنَى الشَّرَفِ الَّذِي يَقْتَضِي الِاسْتِتْبَاعَ وَيَأْبَى التَّبَعِيَّةَ وَالْفَاتِحَةُ تَتَضَمَّنُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ وَمَعَارِفَ مُخْتَلِفَةٍ فَكَانَتْ أَفْضَلَ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْعُظْمَى الَّتِي هي المقصودة المتبوعة التي يتبعها سَائِرُ الْمَعَارِفِ فَكَانَ اسْمُ السَّيِّدِ بِهَا أَلْيَقَ انْتَهَى.

ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِ: "قَلْبُ الْقُرْآنِ يس": إِنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ صِحَّتُهُ بِالِاعْتِرَافِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَهُوَ مُقَرَّرٌ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ فَجُعِلَتْ قَلْبَ الْقُرْآنِ لِذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ.

وَقَالَ النَّسَفِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا تَقْرِيرُ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الْوَحْدَانِيَّةُ وَالرِّسَالَةُ وَالْحَشْرُ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ وَالْجَنَانِ وَأَمَّا الَّذِي باللسان وبالأركان فَفِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ فَلَمَّا كَانَ فِيهَا أَعْمَالُ الْقَلْبِ لَا غَيْرَ سَمَّاهَا قَلْبًا وَلِهَذَا أَمَرَ بِقِرَاءَتِهَا عِنْدَ الْمُحْتَضِرِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ اللِّسَانُ ضَعِيفَ الْقُوَّةِ وَالْأَعْضَاءُ سَاقِطَةً لَكِنَّ الْقَلْبَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَجَعَ عَمَّا سِوَاهُ فَيُقْرَأُ عِنْدَهُ مَا يَزْدَادُ بِهِ قُوَّةً فِي قَلْبِهِ وَيَشْتَدُّ تَصْدِيقُهُ بِالْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>