للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وامتنع من أَنْ يَسْتَنْبِطَ مَعَانِي الْقُرْآنِ بِاجْتِهَادِهِ ولو صحبتها الشَّوَاهِدُ وَلَمْ يُعَارِضْ شَوَاهِدَهَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَهَذَا عُدُولٌ عَمَّا تُعُبِّدْنَا بِمَعْرِفَتِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي الْقُرْآنِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وَلَوْ صَحَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَمْ يَعْلَمْ شيء إلا بِالِاسْتِنْبَاطِ وَلَمَا فَهِمَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى سِوَى لَفْظِهِ وَأَصَابَ الْحَقَّ فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ وَإِصَابَتُهُ إتفاق إذا الْغَرَضُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ لَا شَاهِدَ لَهُ وَفِي الْحَدِيثِ "الْقُرْآنُ ذَلُولٌ ذُو وُجُوهٍ فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ" أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ

فَقَوْلُهُ: "ذَلُولٌ" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُطِيعٌ لِحَامِلِيهِ تَنْطِقُ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَعَانِيهِ حَتَّى لَا تُقَصِّرَ عَنْهُ أَفْهَامُ الْمُجْتَهِدِينَ

وَقَوْلُهُ: "ذُو وُجُوهٍ" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مِنْ أَلْفَاظِهِ مَا يحتمل وجوها من التَّأْوِيلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ وُجُوهًا مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ

وَقَوْلُهُ: "فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْحَمْلُ عَلَى أَحْسَنِ مَعَانِيهِ وَالثَّانِي أَحْسَنُ مَا فِيهِ مِنَ الْعَزَائِمِ دُونَ الرُّخَصِ وَالْعَفْوِ دُونَ الِانْتِقَامِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالِاجْتِهَادِ فِي كِتَابِ الله تعالى

وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: النَّهْيُ إِنَّمَا انْصَرَفَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ لَا إِلَى جَمِيعِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ فلو لم يجز التَّفْسِيرُ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ بَالِغَةً فَإِذَا كَانَ كذلك جاز لِمَنْ عَرَفَ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَأَسْبَابِ النُّزُولِ أَنْ يُفَسِّرَهُ وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>