وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ لَا لِلْمُشَبَّهِ ولا لأعم مِنْهُمَا فَأَسَدٌ فِي قَوْلِكَ رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي مَوْضُوعٌ لِلسَّبُعِ لَا لِلشُّجَاعِ وَلَا لِمَعْنًى أَعَمَّ مِنْهُمَا كَالْحَيَوَانِ الْجَرِيءِ مَثَلًا لِيَكُونَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةً كَإِطْلَاقِ الْحَيَوَانِ عَلَيْهِمَا
وَقِيلَ: مَجَازٌ عَقْلِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا فِي أَمْرٍ عَقْلِيٍّ لَا لُغَوِيٍّ لِأَنَّهَا لَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُشَبَّهِ إِلَّا بَعْدَ ادِّعَاءِ دُخُولِهِ فِي جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَكَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ نَقْلِ الِاسْمِ وَحْدَهُ وَلَيْسَ نَقْلُ الِاسْمِ الْمُجَرَّدِ اسْتِعَارَةً لِأَنَّهُ لَا بَلَاغَةَ فِيهِ بِدَلِيلِ الْأَعْلَامِ الْمَنْقُولَةِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَقْلِيًّا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَقِيقَةُ الِاسْتِعَارَةِ أَنْ تُسْتَعَارَ الْكَلِمَةُ مِنْ شَيْءٍ مَعْرُوفٍ بِهَا إِلَى شَيْءٍ لَمْ يُعْرَفْ بِهَا وَحِكْمَةُ ذَلِكَ إِظْهَارُ الْخَفِيِّ وَإِيضَاحُ الظَّاهِرِ الَّذِي لَيْسَ بِجَلِيٍّ أَوْ حُصُولُ الْمُبَالَغَةِ أَوِ الْمَجْمُوعِ مِثَالُ إِظْهَارِ الْخَفِيِّ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ: "وَأَنَّهُ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ" فَاسْتُعِيرَ لَفْظُ الْأُمِّ لِلْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ تَنْشَأُ مِنَ الْأُمِّ كما تنشأ الْفُرُوعِ مِنَ الْأُصُولِ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ تَمْثِيلُ مَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ حَتَّى يصيرمرئيا فَيَنْتَقِلُ السَّامِعُ مِنْ حَدِّ السَّمَاعِ إِلَى حَدِّ الْعَيَانِ وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْبَيِانِ وَمِثَالُ إِيضَاحِ مَا لَيْسَ بِجَلِيٍّ لِيَصِيرَ جَلِيًّا: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} فَإِنَّ الْمُرَادَ أَمْرُ الْوَلَدِ بِالذُّلِّ لِوَالِدَيْهِ رَحْمَةً فَاسْتُعِيرَ لِلذُّلِّ أَوَّلًا "جَانِبٌ" ثُمَّ لِلْجَانِبِ جَنَاحٌ وَتَقْدِيرُ الِاسْتِعَارَةِ الْقَرِيبَةِ: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَانِبَ الذُّلِّ" أَيِ اخِفِضْ جَانِبَكَ ذُلًّا وَحِكْمَةُ الِاسْتِعَارَةِ فِي هَذَا جَعْلُ مَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ مَرْئِيًّا لِأَجْلِ حُسْنِ الْبَيَانِ وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ خَفْضَ جَانِبِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يُبْقِي الْوَلَدُ مِنَ الذُّلِّ لَهُمَا وَالِاسْتِكَانَةِ مُمْكِنًا احْتِيجَ فِي الِاسْتِعَارَةِ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute