مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْأُولَى فَاسْتُعِيرَ لَفْظُ الْجَنَاحِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي لَا تَحْصُلُ مِنْ خَفْضِ الْجَانِبِ لِأَنَّ مَنْ يَمِيلُ جانبه إلى جهة السفلة أَدْنَى مَيْلٍ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَفَضَ جَانِبَهُ وَالْمُرَادُ خَفْضٌ يُلْصِقُ الْجَانِبَ بِالْأَرْضِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِذِكْرِ الْجَنَاحِ كَالطَّائِرِ
وَمِثَالُ الْمُبَالَغَةِ: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً} وَحَقِيقَتُهُ: " وَفَجَّرْنَا عُيُونَ الْأَرْضِ " وَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا فِي الْأَوَّلِ الْمُشْعِرِ بِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا صَارَتْ عُيُونًا.
فَرْعٌ
أَرْكَانُ الِاسْتِعَارَةِ ثَلَاثَةٌ: مُسْتَعَارٌ وَهُوَ لَفْظُ الْمُشَبَّهِ بِهِ ومستعار منه وهو معنى اللفظ الْمُشَبَّهِ وَمُسْتَعَارٌ لَهُ وَهُوَ الْمَعْنَى الْجَامِعُ
وَأَقْسَامُهَا كَثِيرَةٌ بِاعْتِبَارَاتٍ فَتَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: اسْتِعَارَةُ مَحْسُوسٍ لِمَحْسُوسٍ بِوَجْهٍ مَحْسُوسٍ نَحْوُ: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} فالمستعارة مِنْهُ هُوَ النَّارُ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ الشَّيْبُ وَالْوَجْهُ هُوَ الِانْبِسَاطُ وَمُشَابَهَةُ ضَوْءِ النَّارِ لِبَيَاضِ الشَّيْبِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَحْسُوسٌ وَهُوَ أَبْلَغُ مِمَّا لَوْ قِيلَ: "اشْتَعَلَ شَيْبُ الرَّأْسِ" لِإِفَادَةِ عُمُومِ الشَّيْبِ لِجَمِيعِ الرَّأْسِ وَمِثْلُهُ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أَصْلُ الْمَوْجِ حَرَكَةُ الْمَاءِ فَاسْتُعْمِلَ فِي حَرَكَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَالْجَامِعُ سُرْعَةُ الِاضْطِرَابِ وَتَتَابُعُهُ فِي الكثرة {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} اسْتُعِيرَ خُرُوجُ النَّفَسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute