للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَوْنَهُ وَاقِعًا عَلَى زَيْدٍ - قَدْ يَكُونُ قَصْدُ الْمُتَكَلِّمِ لَهَا ثَلَاثَتَهَا عَلَى السَّوَاءِ وَقَدْ يَتَرَجَّحُ قَصْدُهُ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمَا ابْتَدَأَ بِهِ كَلَامَهُ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِالشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ وَأَنَّهُ هُوَ الْأَرْجَحُ فِي غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ فَإِذَا قُلْتَ: زَيْدًا ضَرَبْتُ عُلِمَ أَنَّ خُصُوصَ الضَّرْبِ عَلَى زَيْدٍ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَا شك أَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ مِنْ خَاصٍّ وَعَامٍّ لَهُ جِهَتَانِ فَقَدْ يُقْصَدُ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهِ وَقَدْ يُقْصَدُ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ وَالثَّانِي هُوَ الِاخْتِصَاصُ وَأَنَّهُ هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الَّذِي قَصَدَ إِفَادَتَهُ السَّامِعَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ وَلَا قَصْدٍ لِغَيْرِهِ بِإِثْبَاتٍ وَلَا نَفْيٍ فَفِي الْحَصْرِ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَيْهِ وَهُوَ نَفْيُ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ وإنما جاء هذا في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لِلْعِلْمِ بِأَنَّ قَائِلِيهِ لَا يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا لَمْ يَطَّرِدْ فِي بَقِيَّةِ الْآيَاتِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} لَوْ جُعِلَ فِي مَعْنَى "مَا يَبْغُونَ إِلَّا غَيْرَ دِينِ اللَّهِ" وَهَمْزَةُ الْإِنْكَارِ دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ الْحَصْرَ لَا مُجَرَّدَ بَغْيِهِمْ غَيْرَ دِينِ اللَّهِ وَلَيْسَ الْمُرَادَ وَكَذَلِكَ {آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} الْمُنْكَرُ إِرَادَتُهُمْ آلِهَةً دُونَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ.

وَقَدْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} : فِي تَقْدِيمِ "الْآخِرَةِ" وَبِنَاءِ "يُوقِنُونَ" عَلَى "هُمْ" تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ إِثْبَاتِ أَمْرِ الْآخِرَةِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ بِصَادِرٍ عَنْ إِيقَانٍ وَأَنَّ الْيَقِينَ مَا عَلَيْهِ مَنْ آمَنَ بِمَا أُنْزِلُ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ تَقْدِيمُ "الْآخِرَةِ" أَفَادَ أَنَّ إِيقَانَهُمْ مَقْصُورٌ عَلَى أَنَّهُ إِيقَانٌ بِالْآخِرَةِ لَا بِغَيْرِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>