وَكَذَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} كُرِّرَتْ ثَمَانِي مَرَّاتٍ كُلُّ مَرَّةٍ عَقِبَ كُلِّ قِصَّةٍ فَالْإِشَارَةُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ بِذَلِكَ إِلَى قِصَّةِ النَّبِيِّ الْمَذْكُورِ قَبْلَهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ
وَبِقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْأَقَلَّ مَنْ قَوْمِهِ آمَنُوا أَتَى بِوَصْفِ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْعِزَّةَ عَلَى مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ منهم وَالرَّحْمَةَ لِمَنْ آمَنَ
وَكَذَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ القمر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.}
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَرَّرَ ليجددوا عِنْدَ سَمَاعِ كُلِّ نَبَإٍ مِنْهَا اتِّعَاظًا وَتَنْبِيهًا وَأَنَّ كُلًّا مِنْ تِلْكَ الْأَنْبَاءِ مُسْتَحِقٌّ لِاعْتِبَارٍ يَخْتَصُّ بِهِ وَأَنْ يَتَنَبَّهُوا كَيْلَا يَغْلِبَهُمُ السُّرُورُ وَالْغَفْلَةُ
قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِكُلِّ مَا قَبْلَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِطْنَابٍ بَلْ هِيَ أَلْفَاظٌ كُلٌّ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مَا أُرِيدَ بِالْآخَرِ قُلْتُ: إِذَا قُلْنَا الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَكُلُّ وَاحِدٍ أُرِيدَ بِهِ مَا أُرِيدَ بِالْآخَرِ وَلَكِنْ كُرِّرَ لِيَكُونَ نَصًّا فِيمَا يَلِيهِ وَظَاهِرًا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ قُلْتَ يَلْزَمُ التَّأْكِيدُ قُلْتُ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يُزَادُ بِهِ عَنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ ذَاكَ فِي التَّأْكِيدِ الَّذِي هو تابع وأما ذِكْرُ الشَّيْءِ فِي مَقَامَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ انْتَهَى.
وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute