للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجادلهم بالتي هي أحسن:

لا تحامل على المخالف.

ولا ترذيل له ولا تقبيح لفكره, وما دام يريد أن يصل إلى الحق؛ فالمجادلة بالتي هي أحسن صفة الكلمة التي ينبغي أن يستخدمها الداعية مع هذا اللون من الناس، ليس هدف الداعية الغلبة ولا المخاصمة ولا الشهرة بالتفلسف. ولكن هدفه توصيل دعوة الله, فإذا احتاج الداعية مع صنف من الناس إلى جدال فليكن الجدال بالتي هي أحسن بالإقناع الموصل إلى الحق في قالب الكلمة الطيبة بعيدا عن الحماس الشارد عن الحجة البيضاء، وكثيرا ما يختلط على النفس البشرية قيمة رأيها وقيمته عند الناس حتى ليصبح التنازل عن الرأي تنازلا عن الهيبة والكيان.

فحدد القرآن الكريم أسلوب التبليغ مع هذا الصنف "الجدال بالحسنى" فإنه هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة, ويشعر المجادل بأن ذاته مصونة وقيمته محفوظة وكرامته موقرة، وأن ما يقصده الداعية من مجادلته هذه إلا كشف الحقيقة في ذاتها والاهتداء إليها حسبة لله لا ابتغاء نصر لرأيه وهزيمة لرأي الآخر١.

وبالتي هي أحسن قيد مهم غفل عنه المسلمون, فوقعوا في شباك مكيدة كانت مبيتة للأمة الإسلامية تواطأ عليها أعداؤهم من خارجها, ومن داخلها حتى أضناها الخلاف وضيعها التشدق والجدال٢.


١ راجع: في ظلال القرآن ج١٤ ص١١٠.
٢ التفكير فريضة إسلامية ص٤٠-٤٣.

<<  <   >  >>