جـ- بدء التدرج في أحكام تتعلق بنظام المجتمع الإسلامي مستقبلا:
على طبيعة المنهاج القرآني في التربية والبناء حيث يأخذ النفوس
بالهوينى، ويربت عليها بالحنان، ويقودها إلى السعادة في رفق يخطو بها واحدة واحدة، ويسير معها رويدا رويدا لا يفاجئها ولا يكرهها، ولكنه يمهد ويقدم ويخطو, ثم يعلو بها قليلا قليلا حتى تكتمل الدوحة، ويزهر البستان، وينتج الثمر المبارك، وتؤتي الحديقة أكلها بإذن ربها، تلك هي طبيعة المنهاج القرآني في البناء والتأسيس وتبليغ الدعوة وبناء الجماعة، وقد شاء الله تعالى أن يمهد للتشريع منذ العهد المكي، يمهد للتشريع الذي يعالج قضايا المجتمع فإن معنى الدخول في الإسلام هو قبول التقاليد والعادات الإسلامية التي سيبدل الله بها تقاليد وعادات الصناعة البشرية التي قامت على تصورات ليس لله فيها نصيب.
والدخول في الإسلام هو دخول في نظامه ورضا بكل ما جاء به, وقبول لكل ما ينهى عنه وفي المستقبل سوف يقوم مجتمع رباني تبنى لبناته في مكة, وسوف يحتاج هذا المجتمع إلى تغيير في التقاليد الموروثة عن الجاهلية التي زعمت أن لها حقا في التشريع للأخلاق والعبادة، وكان في أمس ما يحتاجه المجتمع مستقبلا القضاء على ثلاثة أمراض اجتماعية وهي:
الخمر، والربا، والرق.
وكان لا بد للجماعة الإسلامية في مكة أن تتهيأ منذ حياتها الأولى, وهي قوية التمسك بالعقيدة، وهي شديدة التمسك بشهادة التوحيد, وهي عزيزة قوية في صبرها على مجابهة المبغضين للربانية التي حققوها بالخضوع للمنهاج الإسلامي، كان لا بد وأن تعطي صورة ما عن