يشق النور حجب الظلام حتى ولو كانت ظلمات كثيفة بعضها فوق بعض، فطبيعة النور مشرقة متحركة، وطبيعة الظلام كئيبة راكدة، ولقد كانت الدعوة الإسلامية نورا مشرقا يبدد حجب الظلمات الجاهلية التي كانت تصنعها قريش في معامل الشيطان والنكاية، والتهريج والحصار الاقتصادي والتشهير والفتن، لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلتقي بالوفود في مواسم الحجيج والعمرة, وفي سلسلة هذه اللقاءات النبوية بأهل النسك التقي عليه الصلاة والسلام بوفد من الأنصار, يروي ابن هشام هذا اللقاء بسنده فيقول:
لما لقيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لهم:"من أنتم؟ ". قالوا: نفر من الخزرج. قال:"أمن موالي يهود؟ ". قالوا: نعم. قال:"أفلا تجلسون أكلمكم؟ ". قالوا: بلى. فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم, وكانوا أهل كتاب وعمل، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان, وكانوا قد غزوهم ببلادهم, فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: إن نبيا مبعوث الآن قد أظل