الله تعالى في ذلك:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} ١.
وقد تخطوا في سياستهم السلبية هذه دعوة أنفسهم باللغو في القرآن الكريم, وتجاوزوا بها أفراد مكة إلى أفراد المجتمع الخارجي، فعندما حضر الطفيل بن عمرو الدوسي مكة نصحه أصحاب الثورة الثقافية المخاصمون للدعوة الإسلامية بألا يستمع إلى القرآن الكريم حتى ملأ صماخ أذنيه بالقطن كي لا يسمع القرآن إذا حضر إلى الكعبة، وكان ذلك الفعل من الطفيل نتيجة الإلحاح الفكري الغازي المواجه للدعوة الإسلامية من كفار قريش، ولقد فعل الرجل ذلك حرصا منه على عدم سماع شيء من القرآن، غير أن الطبيعة الخيرة لا تملك أمام فطرتها إلا أن تتلألأ مهما حجب لألاءَها ثيابٌ بالية من نسيج الفكر الجاهلي العاري التائه.
يقول الطفيل بن عمرو الدوسي مصورا حالته:
فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا, ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا -قطنا- فرقا من أن يبلغني شيء من قوله, وأنا لا أريد أن أسمعه، قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي عند الكعبة. قال: فقمت قريبا منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، قال: فسمعت كلاما حسنا، قال: فقلت في نفسي: وَا ثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح, فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته.
قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قد قالوا كذا وكذا للذي قالوا.
١ السيرة لابن هشام ج١ ص٢٧٦ ط مكتبة الكليات الأزهرية.