وإن أشق مرحلة يصادفها كل رسول من الرسل إنما هي إقناع الناس برسالته وقد اختلفت وسائل هذا الإقناع واختلفت أساليبه.
ولقد بدأ الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم- كأسلافه بإثبات أنه رسول, وأنه متصل بالسماء، وأن الذي يأتيه إنما هو وحي يوحى، ولكن العرب سخروا من دعوته فتحداهم بعنف, وتحداهم متدرجا بهم، ومع أنهم أساطين البلاغة وأهل الفراسة غير أنهم أفحموا وانتهى الأمر إلى أن الذي يأتيه إنما هو وحي من عند الله.
لقد لبث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قبل أربعين عاما ولم يحدثهم بنبوة، ولم يحدثهم برسالة، ولم يكن من مشاهير رجال الشعر، فلم الشك في أمره؟ مع أنه -صلى الله عليه وسلم- لو أخبرهم أن خيلا وراء هذ الوادي تريد أن تغير عليهم لصدقوه، لقد قالوا له: ما عهدنا عليك كذبا. فلم الشك في أمره؟ {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} .
إنه صلوات الله عليه وسلامه بشر، وما يجول في خلد مسلم قط أن يخرجه عن البشرية، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- بشر خاص. إنه بشر يوحى إليه، وما يتأتى قط أن يوحى إليه إلا وقد اصطفاه الله.