ولا يمر الإسراء والمعراج كحدثين مضيا في التاريخ القديم, ولكنهما كانا كمنهج حياة في العقيدة والأخلاق من جانب ثم يكونان دائما من دلائل النبوة الخاتمة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أخبر عن أحداث ستقع في مستقبل هذه الأمة، رآها بعينه في الجنة وفي النار فأخبر عنها ليتقيها الورعون، وليصلحها المصلحون، ولينتهي عنها الآثمون وليفقهها الداعون لينذروا قومهم لعهم يحذرون١.
أما النعمة العظمى والتجلي الإلهي الأكبر في ليلة الإسراء والمعراج فإنه الصلاة، إن الصلاة هي الشرف الأسمى للإنسان فهي تصله بالله سبحانه، وهي الوسيلة إلى رضوانه، وباب الفتوح والقبول، وهي المعراج الروحي الذي تتصل فيه أرواح العباد الأطهار بخالقهم جل وعلا.
إنها لحظة المناجاة التي لا تحتاج إلى وسيط ولا شفيع، إنها القربى إلى الله جل شأنه, يأنس فيها القلب بربه وتصل فيها الروح ببارئها وتستريح من وعثاء السفر في الحياة، وتهدأ من صخب الشهوات، وتنجو من وسواس الشيطان.
١ لمولانا فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود كتاب جليل عن الإسراء والمعراج، نشر في سلسلة البحوث الإسلامية "الكتاب الثاني والعشرون" من السنة الثانية وهو بحث دائر حول منهجية الإسراء والمعراج للعقيدة والأخلاق، ولقد سعدت كثيرا بالحياة في جو هذا الكتاب مرارا عند طبعه وتصحيحه ثم تدبره بعد نشره، فقد كان الله عز وجل منحنى شرف التكليف بإنشاء هذه السلسلة في ربيع الأول سنة ١٣٨٨هـ. والإشراف عليها وكان هذا آخر كتاب أشرفت على نشره قبل سفري إلى ماليزيا في عام ١٩٧٠م.