والتقائها مع الطبع الإنساني الذي يحيا بها في رخاء وسعادة وأمن, ويحقق بها العبودية لله, فنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحل عليه البركات، ولكن هذه النقلة تحتاج إلى تصفية للجماعة حتى تنتقل, وهي كلها جيدة المعدن عميقة الإيمان, فكان الإسراء والمعراج كغربلة وتصفية نهائية, تمهيدا للنقلة إلى طابة لتبدأ الدعوة بأسلوب جديد في العمل والبناء.
ولقد ادعى الكافرون زهاء ثلاثة عشر عاما أن محمدا ساحر، ووقفوا عند الغار أمام العنكبوت الذي ضلل الله به عقولهم وسفه أحلامهم وحقر عقولهم, فقال أمية بن خلف:"إن فيه لعنكبوتا أقدم من ميلاد محمد", فشهد على نفسه أنه كان كاذبا يوم أن قال: إن محمدًا ساحر.
ولا ينتهي الركب إلى "قديد" في يوم الثلاثاء في العقد الأول من شهر الهجرة حتى تبدو علامات النبوة, وقد در الضرع الجهيد باللبن مرات ثلاث، وتغور قوائم فرس سراقة, ويطلب الغوث ويكتب له الأمان, ثم يهبه رسول الله -وهو ما زال في الطريق إلى طابة- هدية ما كان يحلم بها طوال حياته قط "سواري كسرى" وتبقى دلائل النبوة إلى يوم القيامة تؤكد أن محمدا رسول الله حقا، وأنه لا خلاص لهذه الدنيا من حيرتها وفسادها وآلامها وضيقها إلا بالعودة إلى دعوة الإسلام والدستور الحكيم {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} .