للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يعزز هذه الدعوة المؤدبة بأنه لا يقول هذا من عندياته إنما هو العلم الذي جاءه من عند الله فهداه, وهو وإن كان ابنا، ولكن المدد الإلهي وهبه من الفقه والمعونة والمدد ما جعله يفقه ويعرف الحق، فهو ينصح أقرب الناس إليه، ولا غضاضة في أن يتبع الوالد ولده، ما دام الولد قد جاءه من العلم ما لم يأت الوالد١.

وبهذا كشف سيدنا إبرهيم لأبيه عن حالتين:

الأولى: تفاهة الأصنام وحقارتها عقليا وواقعيا.

الثانية: المصدر الذي يتلقى منه الدعوة ويعتمد عليه في التبليغ، فينتقل إلى الغاية من الدعوة.

إن الطريق الذي يسير فيه والده هو طريق الشيطان وإبراهيم يريد أن يهديه طريق الرحمن.

ولكن اللطف اللطيف في هذه الدعوة لم يصل إلى قلب المشرك العاتي فجابهها بالاستكبار والتهديد {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} .

جهالة قاسية في مقابل قول مؤدب مهذب رقيق حليم ولكن الداعية لم يغضب ولم يرد أن يفقد بره مع أبيه فرد عليه: {سَلامٌ عَلَيْكَ} فلا مراء ولا جدل ولا أذى ولا رد مني على التهديد ولكن سأتوجه إلى ربي بالدعاء لعله يهديك٢.


١ راجع عبارة الآلوسي ج١٦، ص٨٩-٩١ روح المعاني.
٢ راجع ظلال القرآن ج١٦، ص٤٣-٤٤ راجع تفسير الآلوسي ج١٦، ص٨٨-٩١.

<<  <   >  >>