للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يؤمن منهم ومن يكفر بتقدير الحياة، وأما المجازاة على العلم فلم يتضمنها جوابه - صلى الله عليه وسلم -.

الوجه الثاني: جواب لهم حين أخبرهم أنهم من آبائهم، فقالوا بلا عمل؟ فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، كما روى أبو داود (١) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله: ذراري المؤمنين؟ قال من آبائهم. قلت: يا رسول الله بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين" (٢).

ففي هذا الحديث ما يدل على أن الذين يلحقون بآبائهم هم الذين علم الله أنهم لو عاشوا لاختاروا الكفر وعملوا به، فهؤلاء مع آبائهم، ولا يقتضي أن كل واحد من الذرية مع أبيه في النار، فإن الكلام في هذا الجنس سؤال وجواب، والجواب يدل على التفصيل، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم - الله أعلم بما كانوا عاملين يدل على أنهم متباينون في التبعية، بحمسب نياتهم ومعلوم الله فيهم.

بقي أن يقال فالحديث يدل على أنهم يلحقون بآبائهم من غير عمل، ولهذا فهمت منه عائشة فقالت: بلا عمل؟ فأقرها عليه، فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".

ويجاب عن هذا بأن الحديث إنما دل على أنهم يلحقون بهم بلا عمل عملوه في الدنيا، وهذا الذي فهمته عائشة، وعائشة إنما استشكلت لحاقهم بهم بلا عمل عملوه مع الآباء، وأجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الله سبحانه وتعالى يعلم منهم ما هم عاملوه ولم يقل لها أنه يعذبهم بمجرد علمه فيهم. وهذا ظاهر لا إشكال فيه (٣).


(١) أبو داود: الإِمام الثبت سيد الحفاظ سليمان بن الأشعث بن الحق صاحب السنن, ولد سنة ٢٠٢ هـ، سمع خلقًا كثيرًا منهم الطيالسي، حدث عنه الترمذي والنسائي وغيرهما، مات في البصرة سنة ٢٧٥ هـ. انظر (تذكرة الحفاظ ٢/ ٥٩١).
(٢) رواه أبو داود في سننه كتاب السنة باب ذراري المشركين ٥/ ٨٥.
(٣) طريق الهجرتين ص ٦٧٦ - ابن القيم.

<<  <   >  >>