يقول فضيلة الشيخ الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله:"قال الشيخ محمد عبده في موضوع علم التوحيد: هو علم يبحث فيه عن وجود الله وما يجب أن يثبت له من صفات، وما يجوز أن يوصف به، وما يجب أن ينفي عنه وعن الرسل لإثبات رسالتهم، وما يجب أن يكونوا عليه، وما يجوز أن ينسب إليهم، وما يمتنع أن يلحق بهم، فلم يذكر شئون الغيب وأحوال المعاد، ثم قال بعد ذلك: وأصل معنى التوحيد اعتقاد أن الله واحد لا شريك له، وسمي هذا العلم به تسمية له بأهم أجزائه، وهو إثبات الوحدة لله في الذات والفعل في خلق الأكوان، وأنه وحده مرجع كل كون ومنتهي كل قصد، وهذا المطلب كان الغاية العظمى من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كما تشهد به آيات الكتاب العزيز ...
وقد غلط الشيخ عبده في اعتبار توحيد الربوبية والانفراد بالخلق هو الغاية من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإن هذا النوع من التوحيد كانت تقربه الأمم التي بعثت إليه الرسل إجمالا، ولم يقع نزاع فيه بينهم وبين الرسل، وإنما كان النزاع في توحيد الإلهية والعبادة، ولهذا لم يجئ على لسان الرسل عليهم السلام الدعوة إلى اعتقاد أن الله هو وحده الخالق -وإن وردت أدلة ذلك في ثنايا الرسالات-، وإنما كان مدار دعوتهم هو عبادة الله وحده لا شريك له، فكل منهم كان مفتتح دعوته لقومه:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف: ٦٥] .
ولعل فضيلة الشيخ عبده في هذا كان متأثرا بالأشعرية، الذين جعلوا الانفراد بالخلق هو أخص خصائص الإلهية، واهتموا في كتبهم بإقامة البراهين على هذا النوع من التوحيد، دون أن يشيروا إلى توحيد الإلهية الذي هو أقصى الغايات ونهاية النهايات.
وقد أحسن العلامة السيد رشيد رضا، حيث قال مستدركا على أستاذه: "فات الأستاذ أن يصرح بتوحيد العبادة، وهو أن يعبد الله وحده غيره بدعاء، ولا