للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: الوسطية]

"الوسط اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه، وأوسط الشيء أفضله وخياره كوسط المرعى خير من طرفيه، وكوسط الدابة للركوب خير من طرفيها لتمكن الراكب، ومنه الحديث: "خيار الأمور أوساطها" ١؛ ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: ١١] ، أي على شك، فهو على طرف من دينه غير متوسط فيه ولا متمكن، فلما كان وسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة، وذلك في مثل قوله تعالى وتقدس: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] ، أي عدلًا فهذا تفسير الوسط وحقيقة معناه"٢.

وعليه فإن الوسطة تعني التوازن بين الأمور المتقابلة، والتوسط بين الأطراف المتباعدة على ما تقتضيه النصوص الشرعية، والوسطية من أظهر خصائص العقيدة الإسلامية، "والصور التي تأت شاهدًا على ذلك تعز على الحصر، فإن كل ما في العقيدة الإسلامية ناطق بهذا التوازن الدقيق، ... ومن ذلك:

التوازن بين ما يتلقاه الإنسان عن طريق الوحي، وبين ما يتلقاه عن طريق وسائل الإدراك البشري، والتوازن بين طلاقة المشيئة وثبات السنن الكونية، والتوازن بين المشيئة الإلهية الطليقة، ومجال المشيئة الإنسانية المحدودة، والتوازن في


١ جاءت في كشف الخفاء للعجلوني "١/ ٤٦٩، ٤٧٠": "خير الأمور أوسطها وفي لفظ: أوساطها. قال ابن الغرس: ضعيف انتهى. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع "١٢٥٢"، والسلسلة الضعيفة "٥/ ٣٤٩"، وقال في المقاصد: وللعسكري عن الأوزاعي أنه قال: ما من أمر أمر الله به إلا عارض الشيطان فيه بخصلتين لا يبالي أيهما أصاب؛ الغلو أو التقصير، ولأبي يعلى بسند جيد عن وهب بن منبه قال: إن لكل شيء طرفين ووسطًا، فإذ أمسك بأحد الطرفين مال الآخر، وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان، فعليكم بالأوساط من الأشياء.
٢ لسان العرب لابن منظور "١٥/ ٢٩٥، ٢٩٦".

<<  <   >  >>