وهذا لا يعارض ما وجد ويوجد في بعض الأمكنة والأزمنة من ترك الجهاد، مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وحذر منه، فوقع في الأمة كما أخبر.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" ١.
فإننا كما نجد مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في واقع الأمة في الأزمنة المتأخرة، من الإخلاد إلى الأرض، وترك الجهاد، والرضى بالزرع، والتبايع بالربا، وتسلط الأعداء، ونزع المهابة، وإصابتها بالوهن، نجد أيضا مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من دوام الجهاد واستمراره، وبقاء طائفة من أمته يقاتلون على الحق ظاهرين.
فلا تكاد راية الجهاد تسقط من يد إلا وتتلقفها أيادي أخرى، مصداقا لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِم}[المائدة: ٥٤] .
ومقتضى هذا الوعد ألا يزال في الأمة مؤمنون مجاهدون، باذلون، صابرون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، وهؤلا هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة.
١ رواه أبو داود "٣٤٦٢"، وأبو يعلى في مسنده برقم "٥٦٥٩"، والبيهقي في السنن الكبرى "١٠٤٨٤، وقد صححه ابن القيم في تعليقه عل مختصر سنن أبي داود، والشيخ الألباني في صحيح الجامع "٤٢٣".