للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حركيتها, وكبَّلَت أياديها وأرجلها، وارتفع دوي الحرب، وانتصرت الآلة العسكرية، وتفنن صانعوها في تطوير وسائل القتل والدمار، وأتت النار على الأخضر واليابس، وكان الإنسان هو الخاسر في الأول والآخر.

ثم صحت الإنسانية على صوت هذه الفواجع، واستيقظ العقل والضمير بتأثير حدة الآلام البشرية وشدة المصائب وهول الكوارث، وغدا السلم حتميةً تاريخيةً حضاريةً كسبيلٍ إلى إنقاذ البشرية من الدمار والهلاك، وقيمة عالمية لا مناص من أن يتشبث بها المجتمع الإنساني كطريقٍ أوحدٍ إلى الخلاص، إيمانًا بأن الحروب لما كانت تنشأ أولًا في عقول الناس، كان لا بُدَّ -من أجل الوقاية والاحتماء منها- أن تبني في الوجدان البشري حصون السلم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: ٢٠٨]، وقال أيضًا: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: ١٠٣].

وإن ميلاد المنتظم الأممي إبَّان انتهاء الحرب الكونية الثانية، هو تعبير عميق عن وحدة الشعور الإنساني, وغلبة الوعي الإيجابي, وانتصار الإنسان في نهاية المطاف، لتسقط في مقابل ذلك الجدران السميكة والحواجز الحديدية التي طالما فرَّقَت بين الشعوب, وآثارت أسباب العدوان والفتنة بينها.

إن من مشمولات الدول ومهامها الأساسية في العصر الحديث، وضع الأسس والقواعد والتشريعات الضامنة للحقوق، الكفيلة بتوفير حياة اجتماعية كريمة، تطلق فيها الكوامن, ويفسح فيها مجال التعبير والفعل الحر، لا تحدُّه إلّا ضوابط المصلحة العامة، من أجل أن يرقى الإنسان وتسعد البشرية.

ولأهمية الأسرة كدعامةٍ أساسية لا محيص عنها في البناء الاجتماعي اهتم الإسلام، قرآنًا وسنةً وفقهًا وقضاءً، بهذا الصرح الاجتماعي، فوضع له عن طريق التشريع والإرشاد والتوجيه مجموعة من القوانين المحكمة والنظم الشاملة والتشريعات الدقيقة الكفيلة بتنظيم البناء الأسري والمحافظة عليه، ومما تتجلَّى به العناية الإسلامية الفائقة بالأسرة الحضّ على الزواج الذي به تتكوّن الأسرة، ليكون كلٌّ من الزوجين مسئولًا عن هذا الميثاق الغليظ، يعملان على بقائه

<<  <   >  >>