المتحضرة في هذا المجال وغيره، وعذرها في ذلك أنها لم تتخلص من الرواسب الاستعمارية إلّا في زمن متأخر "النصف الثاني من القرن العشرين"، فإنها لم تتوان عن استجماع قواها وقدراتها المتاحة من أجل تعميم التعليم على أبنائها، وتطوير مناهجه بإدخال العلوم الصحيحة التي لا بُدَّ منها للاستجابة للحاجيات المتنامية للمجتمعات المعاصرة.
وتونس، من هاته البلدان التي لم تدَّخر جهدًا، رغم قلة ذات اليد, ومحدودية الإمكانيات، في صرف كامل طاقاتها منذ السنوات الأولى للاستقلال إلى تعميم التعليم ونشره، ويحدوها في ذلك طموح لا متناهٍ إلى التعويل على الرأسمال البشري كرصيد لازم لأي تنمية مرتجاة, وتقدُّمٍ مأمول؛ فالمدرسة من منظور تونسي، هي المحضن أو الرحم الذي تزرع فيه بذور الشخصية المطلوب تشكليها، وتتخلق وتنمو به قابليات الإنسان، وتكوّن شخصيته، وتنمي مهاراته، وتصوغ ثقافته، ولقد نجحت تونس، في رفع هذا الرهان أيما نجاح، واستطاعت أن تخطو خطوات عملاقة نحو الاعتماد على الكفاءات الوطنية، وأن تفيد بذلك غيرها من الدول العربية والإسلامية الشقيقة, بما لها من الخبرات الجيدة في شتّى الاختصاصات التعليمية والخبرات الفنية والتكنولوجية.