للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلم١ لما أُلقي في النار أنّها صارت عليه برداً وسلاماً. وهذا بخلاف من يدخلها بالشياطين، فإنّه قد يُطفئها، إلاّ أنّها لا تصير عليه برداً وسلاماً. وإطفاء النار مقدورٌ للإنس والجنّ.

ومنها: ما يتحدّى بها صاحبها أنّ دين الإسلام حقّ؛ كما فعل خالد ابن الوليد لما شرب السُّمَّ٢؛ وكالغلام الذي أتى الراهب، وترك الساحر،


١ هو عبد الله بن ثوب الخولاني، من خولان ببلاد اليمن. دعاه الأسود العنسي إلى أن يشهد أنّه رسول الله، فقال له: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: لا أسمع، أشهد أنّ محمداً رسول الله. فأجّج له ناراً، وألقاه فيها، فلم تضرّه وأنجاه الله منها. فكان يُشبّه بإبراهيم الخليل. ثمّ هاجر، فوجد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فقدم على الصديق أبي بكر رضي الله عنه، فأجلسه بينه وبين عمر، وقال له عمر: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرى في أمة محمد من فُعل له كما فعل بإبراهيم الخليل عليه السلام.
توفي أبو مسلم الخولاني سنة ٦٠ ?.
وقد ذكر له شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عدداً من الكرامات؛ منها: أنه مشى هو ومن معه في المعسكر على دجلة وهي ترمي بالخشب في مدّها. ووضعت له جارية السمّ في طعامه، فلم يضرّه. وخبّبت امرأةٌ عليه زوجتَه، فدعا عليها، فعميت، فجاءت وتابت، فدعا لها، فردّ الله عليها بصرها.
انظر: مجموع الفتاوى ١١/٢٧٩. وانظر: حلية الأولياء ٢/١٢٢، ١٣١. وجامع العلوم والحكم لابن رجب ص ٣٢٢. وسير أعلام النبلاء ٤/٧. والبداية والنهاية لابن كثير ٨/١٤٩. والتقريب لابن حجر ٢/٤٧٣، وفيه ذكر أن اسمه عبد الله بن ثوب.
٢ وذلك لمّا نزل الحيرة - بالعراق، وأراد الأعاجم أن يُسقوه السمّ، فأخذه بيده، ثمّ اقتحمه، وقال: بسم الله، وشرب، فلم يضرّه شيئاً.
الخبر أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٤/١٢٣-١٢٤. وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/٣٥٠ أنّ أبا يعلى أخرجه، والطبراني في المعجم الكبير بإسنادين؛ رجال أحدهما رجال الصحيح، ورجال الآخر ثقات. وذكر كذلك أنّ رجال إسناد أبي يعلى ثقات. وانظر: مجموع الفتاوى ١١/٢٧٧-٢٧٨.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله عند محاصرة خالد بن الوليد للحيرة، أن خالداً أخذ السم من ابن بقيلة - من نصارى العرب، ثم قال: لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها، ثم قال: بسم الله خير الأسماء، رب الأرض والسماء، الذي ليس يضرّ مع اسمه داء، الرحمن الرحيم. قال: وأهوى إليه الأمراء ليمنعوه منه، فبادرهم فابتلعه. فلما رأى ذلك ابن بقيلة، قال: والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد. ثم التفت إلى أهل الحيرة فقال: لم أر كاليوم أوضح إقبالاً من هذا. ثم دعاهم، وسألوا خالداً الصلح فصالحهم. البداية والنهاية ٦/٣٥١. وانظر: طبقات الشافعية للسبكي ٢/٣٣٣.
وقد خالفه الصحابة في ذلك.
ويكفي خالداً كرامة أن جعله الله عزاً للإسلام وأهله، وذلاً للكفر، وشتاتاً لشمله.. وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف الله، وقال الصديق - رضي الله عنه - في حقه: (يا معشر قريش إن أسدكم قد عدا على الأسد فغلبه على خراديله، عجزت النساء أن يلدن مثل خالد بن الوليد) . البداية والنهاية ٦/٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>