للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل١ مناقشة من ينفي المحبة والحكمة والإرادة

ويقال لهم: لِمَ فررتم من إثبات المحبّة، والحكمة، والإرادة، والفعل؟ فإن قالوا: لأنّ ذلك لا يعقل إلا في حق من يلتذّ، ويتألم، وينتفع، ويتضرّر. والله منزّهٌ عن ذلك٢. قيل للفلاسفة: فأنتم تُثبتون أنّه مستلذّ،


١ مسألة الحكمة وتعليل الأفعال وتداخلها بالقدر من أعظم المسائل التي اضطرب فيها المبتدعة.
وقد ألّف شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الموضوع رسالة مستقلة، أسماها: "أقوم ما قيل في المشيئة والحكمة والقضاء والقدر والتعليل وبطلان الجبر والتعطيل". انظرها في جامع الرسائل والمسائل ٤-٥٢٨٣-٣٤٦.
وذلك على إثر سؤال ورد إليه وهو في الديار المصرية سنة أربع عشرة وسبعمائة في حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق، وإنشاء الأنام، وهل يخلق لعلة أم لغير علة؟ فأجاب رحمه الله بقوله: "هذه المسألة من أجل المسائل الكبار التي تكلّم فيها الناس، وأعظمها شعباً وفروعاً، وأكثرها شبهاً ومحارات؛ فإنّ لها تعلقاً بصفات الله تعالى، وبأسمائه، وأفعاله، وأحكامه؛ من الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد. وهي داخلة في خلقه وأمره، فكلّ ما في الوجود متعلق بهذه المسألة؛ فإنّ المخلوقات جميعها متعلقة بها، وهي متعلقة بالخالق سبحانه. وكذلك الشرائع كلها؛ الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد متعلقة بها، وهي متعلقة بمسائل القدر، والأمر، ومسائل الصفات والأفعال. وهذه جوامع علوم الناس ... ". جامع الرسائل والمسائل ٤-٥٢٨٥.
٢ هذه الشبه يحتجّ بها أكثر الفرق؛ كالجهميّة الذين ينفون بها المحبة، والإرادة، والحكمة، والفعل؛ والأشاعرة ينفون بها المحبة، والحكمة، والتحسين، والتقبيح "ذكر الرازي هذه الشبهة ضمن أدلّة الأشاعرة في نفي الحكمة انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص ٢٤٩-٢٥١. وانظر: نهاية الإقدام للشهرستاني ص ٣٩٧. ولأبي الحسن الأشعريّ كلام في إنكار الحكمة، انظره في رسالة إلى أهل الثغر ص ٢٤٠، ٤٤٢"؛ والمعتزلة ينفون بها الصفات. وانظر: ص ٧، ٩، ٢٧.
وشيخ الإسلام رحمه الله أورد هذه الشبهة ضمن أدلة الأشاعرة، وردّ عليها من وجهين بكلام طويل، انظره في قاعدة في المعجزات والكرامات ص ٥٧-٦٠. وأوردها في موضع آخر من قول الرازي في الأربعين ص ٢٥٠ يحتجّ بها على نفي الحكمة، وردّ عليها بخمسة أوجه في شرح الأصفهانية ٢٣٦٩-٣٧١.
وقد يتمسّك الفلاسفة بهذه الشبهة في نفي المحبّة، والحكمة، والإرادة، والفعل. ولكنّ واقع الحال لا يُساعدهم على الأخذ بها، إذ عمدتهم في نفي الصفات هو دليل التركيب، وليس دليل الأعراض. وهذه الشبهة متفرعة عن دليل الأعراض كما سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>