للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى الخارق للعادة

فآية النبيّ لا بُدّ أن تكون خارقةً للعادة؛ بمعنى أنّها ليست معتادة للآدميين؛ وذلك لأنها حينئذ لا تكون مختصة بالنبي بل مشتركة.

وبهذا احتجوا على أنّه لا بدّ أن تكون خارقة للعادة. لكن ليس في هذا ما يدلّ على أنّ كل خارق آية؛ فالكهانة١، والسحر٢ هو معتاد للسحرة والكهان، وهو خارق بالنسبة إلى غيرهم؛ كما أنّ ما يعرفه أهل الطب، والنجوم٣،


١ الكاهن: هو الذي يدّعي مطالعة عالم الغيب، ويُخبر الناس عن الكوائن. وكان في العرب كهنة يدّعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور؛ كشقّ، وسطيح، وغيرهما.
انظر: معالم السنن ٤/٢٢٨. ولسان العرب ١٣/٣٦٣.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أما الكاهن، والمنجم، ونحو هؤلاء، فيكذبون كثيراً، كما يصدقون أحياناً، ويُخبرون بجمل غير مفصّلة". الجواب الصحيح ٦/٦٩.
٢ قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله عن السحر: "اعلم أنّ السحر في الاصطلاح لا يمكن حدّه بحدّ جامع مانع؛ لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته. ولا يتحقق قدر مشترك يكون جامعاً لها ما نعاً لغيرها. ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختلافاً متبايناً". أضواء البيان ٤/٤٤٤.
وعرفه ابن قدامه بقوله: "عزائم، ورقى، وعقد تُؤثّر في الأبدان والقلوب، فيمرض، ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه". الكافي ٤/١٦٤. والمغني ١٢/٢٩٩. وانظر: زاد المعاد ٤/١٢٥-١٢٦.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع أخرى من كتابه هذا: النبوات ص ١٧٢: "أنّ الكاهن إنّما عنده أخبار، والساحر عنده تصرف بقتل، وإمراض، وغير ذلك. وهذا تطلبه النفوس أكثر".
٣ التنجيم نوعان: أولا: علم التأثير عرّفه شيخ الإسلام رحمه الله بأنّه: "الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، والتمزيج بين القوى الفلكية، والقوابل الأرضية) . وقال رحمه الله عن حكمه: "صناعة محرمة بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين في جميع الملل". مجموع الفتاوى ٣٥/١٩٢.
وعرفه ابن خلدون رحمه الله بأنّه "ما يزعمه أصحاب هذه الصناعة من أنهم يعرفون بها الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثها، من قبل معرفة قوى الكواكب، وتأثيرها في المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة؛ فتكون لذلك أوضاع الأفلاك والكواكب دالّة على ما سيحدث من نوع من أنواع الكائنات الكلية والشخصية". مقدمة ابن خلدون ص ٥١٩-٥٢٠. وهذا ينافي التوحيد.
والنوع الثاني: علم التيسير؛ وهو الاستدلال بالشمس والقمر والكواكب على القبلة والأوقات والجهات، فهذا لا بأس به، بل كثير منه نافع قد حث عليه الشارع إذا كان وسيلة إلى معرفة أوقات العبادات، أو الاهتداء به في الجهات. انظر: القول السديد في مقاصد التوحيد للشيخ عبد الرحمن السعدي: ص ٩١-٩٢. وهناك تعاريف أخرى. انظر: معالم السنن ٥/٣٧١-٣٧٢. وشرح السنة للبغوي ١٢/١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>