للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما سورة العنكبوت: فإنّه ذكر فيها امتحانه للمؤمنين، ونصره لهم، وحاجتهم إلى الصبر والجهاد، وذكر فيها حسن العاقبة لمن صبر، وعاقبة من كذب الرسل؛ فذكر قصة إبراهيم لأنّها من النمط الأول، ونصرة الله له على قومه١.

وكذلك سورة الصافات قال فيها: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُنْذَرِينَ} ٢. وهذا يقتضي أنّها عاقبة رديئة؛ إمّا بكونهم غُلبوا وذلّوا، وإما بكونهم أُهلكوا. ولهذا ذكر فيها قصة إلياس، ولم يذكرها في غيرها، ولم يذكر هلاك قومه، بل قال: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلاَّ عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ} ٣. وإلياس قد رُوِيَ أنّ الله تعالى رفعه٤، وهذا يقتضي عذابهم في الآخرة؛ فإنّ إلياس لم


١ قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . سورة العنكبوت، الآية ١٦.
٢ سورة الصافات، الآيات ٧١-٧٣.
٣ سورة الصافات، الآيتان ١٢٧-١٢٨.
٤ اختلف في إلياس، فذُكر عن ابن مسعود، وقتادة، ومحمد بن إسحاق، والضحاك: أنّ إلياس هو إدريس. وقيل: إلياس نبيّ بُعث إلى بني إسرائيل بعد مهلك حزقيل، فعبدوا الأصنام، ثم دعا الله عليهم، فحبس عنهم القطر ثلاث سنين، ثم سألوه أن يكشف ذلك عنهم، ووعدوه الإيمان به إن هم أصابهم المطر، فدعا الله تعالى لهم فجاءهم الغيث، فاستمروا على أخبث ما كانوا عليه من الكفر، فسأل الله أن يقبضه إليه فيُريحه منهم، فأمر إلياس أن يذهب إلى مكان كذا وكذا، فمهما جاءه فليركبه، ولا يهابه. فجاءته فرس من نار، فركب، وألبسه الله تعالى النور، وكساء الريش، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، وطار في الملائكة، فكان إنسياً ملكياً، أرضياً سماوياً.
انظر: جامع البيان ٢٣/٩١-٩٤. والجامع لأحكام القرآن ١٥/٧٦-٧٧. وتفسير القرآن العظيم ٣/١٩-٢٠. وقال ابن كثير رحمه الله في آخر القصة: هكذا حكاه وهب بن منبه عن أهل الكتاب، والله أعلم بصحته.
وانظر في رفعه عليه السلام: أعلام النبوة للماوردي ص ٨٩. وكذا البداية والنهاية ١/٣١٤-٣١٦،، ٢/٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>