للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفلاسفة قالوا بقدم العالم

كما أنّ المتفلسفة الذين سلكوا مسلك الإمكان والوجوب١، وجعلوا ذلك بدل الحادث والقديم، لم يُثبتوا واجباً بنفسه البتة٢، وظهر بهذا فساد عقلهم، وعظيم جهلهم، مع الكفر؛ وذلك أنّه يُشهد وجود السموات وغيرها. فهذه الأفلاك إن كانت قديمة واجبة، فقد ثبت وجود الموجود القديم الواجب، وإن كانت ممكنة، أو مُحدثة، فلا بُدّ لها من واجب قديم؛ فإنّ وجود الممكن بدون الواجب٣، والمحدَث بدون القديم ممتنعٌ في بداية العقول. فثبت وجود موجود قديم واجب بنفسه على كلّ تقدير.

فإذا كان ما ذكروه من نفي الصفات عن القديم والواجب يستلزم نفي القديم مطلقاً، ونفي الواجب: عُلم أنّه باطلٌ٤.


١ إذ الوجود - عندهم - ينقسم إلى واجب، وممكن - وهو خلاف تقسيم المتكلمين له إلى قديم وحادث.
ويُعرّف المتفلسفة الواجب: بأنّه الضروريّ الوجود - وهو يُقابل القديم عند المتكلمين -. ويُعرّفون الممكن بأنّه الذي لا ضرورة فيه بوجه؛ أي لا في وجوده، ولا عدمه - وهو يُقابل المُحدَث عند المتكلمين.
انظر: النجاة لابن سينا ص ٣٦٦. ومعيار العلم في فن المنطق للغزالي ص ٣٢٥-٣٢٦.
٢ وهم يزعمون أنّ واجب الوجود هو الذات دون صفاتها. ولا يُعقل ذات مجرّدة عن الصفات، بل ذلك من صفات العدم؛ لذلك لم يُثبتوا واجباً. انظر: منهاج السنة لابن تيمية ١/٢٦٦.
٣ في ((خ)) : الوجب. ويبدو أنّ الألف سقطت سهواً.
٤ لأنّ الواجب المجرّد عن جميع الصفات، أو القديم الذي ليس له صفة تُميّزه: ممتنع الوجود؛ إذ لا بُدّ لوجوب وجود الواجب، وإثبات وجود القديم من إثبات ما يُميّزه من الصفات.. ولا يستلزم ذلك تعدّد القدماء، أو تركيب الواجب؛ لأنّ نفي ذلك يقتضي نفي ما يُريدون إثباته..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإذا لم يكن واجباً، لم يلزم من التركيب مُحال، وذلك لأنّهم إنّما نفوا المعاني لاستلزامها ثبوت التركيب، المستلزم لنفي الوجوب. وهذا تناقض؛ فإنّ نفي المعاني مستلزم لنفي الوجوب، فكيف ينفونها لثبوته؟! ". مجموع فتاوى ابن تيمية ٦/٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>