للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن لم يكن، ومولوداً ومخلوقاً من نطفة، ثمّ من علقة، هذا لم يُعلم بمجرّد خبر الرسول، بل هذا يعلمه النّاس كلهم بعقولهم؛ سواء أخبر به الرسول، أو لم يُخبر. لكنّ الرسول أمر أن يُستدلّ به، ودلّ به، وبيّنه، واحتجّ به؛ فهو دليل شرعيّ؛ لأنّ الشارع استدلّ به، وأمر أن يُستدلّ به؛ وهو عقليّ؛ لأنّه بالعقل تُعلم صحته. وكثيرٌ من المتنازعين في المعرفة هل تحصل بالشرع، أو بالعقل لا يسلكونه. وهو عقليّ شرعيّ، وكذلك غيره من الأدلة التي في القرآن؛ مثل الاستدلال بالسحاب والمطر؛ هو مذكور في القرآن في غير موضع، وهو عقليّ شرعيّ؛ كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّاْ نَسُوْقُ الْمَاْءَ إِلَىْ الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعَاً تأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَاْمُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُوْنَ} ١؛ فهذا مرئيّ بالعيون. وقال تعالى: {سَنُرِيْهِمْ آيَاْتِنَاْ فِيْ الآفَاْقِ وَفِيْ أَنْفُسِهِمْ حَتَّىْ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} ٢، ثمّ قال: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىْ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيْدٌ} ٣.

فالآيات التي يُريها الناس، حتى يعلموا أنّ القرآن حق، هي آيات عقليّة؛ يستدلّ بها العقل على أنّ القرآن حقّ، وهي شرعيّة؛ دلّ الشرع عليها، وأمر بها. والقرآن مملوء من ذكر الآيات العقليّة التي يستدلّ بها العقل، وهي شرعيّة؛ لأنّ الشرع دلّ عليها، وأرشد إليها.

ولكنْ كثيرٌ٤ من النّاس لا يُسمّي دليلاً شرعيّاً إلا ما دلّ بمجرّد خبر الرسول، وهو اصطلاح قاصر، ولهذا يجعلون أصول الفقه هو لبيان الأدلة


١ سورة السجدة، الآية ٢٧.
٢ سورة فصلت، الآية ٥٣.
٣ سورة فصلت، الآية ٥٣.
٤ ما أثبت من ((خ)) ، و ((م)) ؛ على أنّ (لكنْ) - بالنون الساكنة - للاستدراك. وما في ((ط)) : (لكنّ) - بالنون المشدّدة - من أخوات (إنّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>