ويحكي - رحمه الله - قولهم عن النبوة: أن "صفاتها ثابتة بدون الخطاب، والخطاب مجرّد كاشف بمنزلة الذي يُخبر عن الشمس والقمر والكواكب بما هي متصفة به" ١.
رابعاً: النبوة عند المتفلسفة وصوفيتهم:
أبعد المتفلسفة وصوفيتهم النجعة في هذا الباب، وانزلقوا منزلقاً خطيراً حين زعموا أنّ النبوّة فيضٌ يفيض على الإنسان بحسب استعداده، ونفوا أن ينزل المَلَك بالوحي على النبيّ، وزعموا أنّه مجرّد خطاب يسمعه الشخص، كما يسمع النائم الخطاب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله: "وأما المتفلسفة القائلون بقدم العالم وصدوره عن علة موجبة، مع إنكارهم أن الله - تعالى - يفعل بقدرته ومشيئته، وأنه يعلم الجزئيّات، فالنبوة عندهم: فيضٌ يفيض على الإنسان بحسب استعداده، وهي مكتسبة عندهم.
ومن كان متميّزاً في قوته العلمية بحيث يستغني عن التعليم، وشُكِّل في نفسه خطاب يسمعه كما يسمع النائم، وشخص يُخاطبه كما يخاطب النائم - وفي العملية - بحيث يؤثر في العنصريات تأثيراً غريباً - كان نبيّاً عندهم.
وهم لا يُثبتون ملكاً مفضلاً يأتي بالوحي من الله - تعالى - ولا ملائكة، بل ولا جناً يخرق الله بهم العادات للأنبياء إلا قوى النفس. وقول هؤلاء وإن كان شراً من أقوال كفار اليهود والنصارى، وهو أبعد الأقوال عما جاءت به الرسل، فقد وقع فيه كثير من المتأخرين الذين لم يُشرق عليهم نور النبوة من المدّعين للنظر العقليّ، والكشف الخيالي الصوفي، وإن كان غاية هؤلاء