للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفيه. و [أمّا] ١ نحن فقد بيَّنَّا أنّ اللازم على تقدير إثباتها لا محذور فيه، وإنّما المحذور لازم على تقدير نفيها. وهذا قد بُسط في غير هذا الموضع٢.

مناقشة من ينفي الحكمة

والمقصود هنا: أنه يُقال لهؤلاء٣ الذين ينفون الحكمة، ثمّ الإرادة،


١ في ((خ)) : انما. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
٢ انظر: العقيدة التدمرية ص ١٥-٣٠، ٣٥-٤٦. وشرح الأصفهانية ٢٣٨٤-٣٨٨، ٤٤١-٤٤٥، ٤٥٠، ٤٥٧-٤٦٧. ودرء تعارض العقل والنقل ١١٢٨، ١٢٩، ٦١١٩-١٣٧. والرد على المنطقيين ص ٢٢٥-٢٣٢. ومنهاج السنة ٢١١٥-١٢٠، ١٦٠-١٧٢، ٥٩٥-٥٩٨. وكتاب الصفدية ١٨٨، ٢٣٤-٣٧.
٣ المقصود بهم الفلاسفة، والجهميّة. وانظر: ص ٥٣٣.
فهم ينفون تعليل أفعال الله سبحانه وتعالى، وأن يكون مختاراً في أفعاله، ويقولون هو موجب بالذات، فلا يكون فعله لغاية. انظر: الإشارات والتنبيهات لابن سينا ٣١٥٠-١٥٥. وكذا انظر: بيان تلبيس الجهمية ١١٦١.
وقال شيخ الإسلام عن الحكمة: "كل ما خلقه الله فله فيه حكمة؛ كما قال: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} ، وقال: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} . وهو سبحانه غنيّ عن العالمين. فالحكمة تتضمّن شيئين؛ أحدهما حكمة تعود إليه يُحبّها ويرضاها. والثانية إلى عباده، هي نعمه عليهم يفرحون بها، ويلتذّون بها. وهذا في المأمورات، وفي المخلوقات". مجموع الفتاوى ٨٣٥-٣٦.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أقوال النّاس في الحكمة، فقال عن الجهميّة: "ُنكرون التعليل جملة، ولا يُثبتون إلا محض المشيئة، ولا يجعلون في المخلوقات والمأمورات معاني لأجلها كان الخلق والأمر، إلى غير ذلك من لوازم قولهم. والمعتزلة يُثبتون تعليلاً متناقضاً في أصله وفرعه؛ فيُثبتون للفاعل تعليلاً لا تعود إليه حكمة" درء تعارض العقل والنقل ٨٥٤.
أمّا الفلاسفة، فيقول عنهم شيخ الإسلام رحمه الله إنّهم "ُثبتون علة غائيّة للفعل، وهي بعينها للفاعل. ولكنّهم متناقضون؛ فإنّهم يُثبتون له العلّة الغائيّة، ويُثبتون لفعله العلة الغائيّة، ويقولون مع هذا ليس له إرادة، بل هو موجب بالذات، لا فاعل بالاختيار. وقولهم باطل من وجوه ... " مجموعة الرسائل والمسائل ٤-٥٢٨٨.
ويذكر شيخ الإسلام رحمه الله تناقض الجهميّة والمتفلسفة في موضع آخر؛ فيقول: "لمتفلسفة متناقضون؛ فإنّهم يُثبتون غاية وحكمة غائيّة، ولا يُثبتون إرادة. والجهميّة تُثبت أنّه سبحانه مريد، ولا تُثبت له حكمة فعل لأجلها. وكلّ من القولين متناقض" شرح الأصفهانيّة ٢٣٧٨.
وانظر: الكلام عن الحكمة وأقوال الناس فيها في كتب شيخ الإسلام: شرح الأصفهانية ١١٥٠-١٥٥، ٢٣٥٣-٣٧٨. ومنهاج السنة النبوية ١١٣٣-١٤٨، ٤٥٤، ٢٦١٢-٦١٥، ٣١٤، ٣٢، ١٨٠-١٩٨، ٢٠٧، ٢١٤-٢١٥. ودرء تعارض العقل والنقل ٨٥٤، ٩١١٠-١١١. ومجموع الرسائل ٤-٥٢٣٤-٢٣٥، ٢٤٠. وانظر: رسالة أقوم ما قيل في المشيئة والحكمة والقضاء والقدر والتعليل وبطلان الجبر - ضمن مجموع الرسائل والمسائل ٤-٥٢٨٣-٣٤٦ - وهي في مجموع الفتاوى ٨٨١-١٥٨. ومجموع الفتاوى ٦١٢٨-١٣٠،، ٨٣٥، ٥٧، ٣٧٧-٣٧٨، ٤٦٦-٤٦٨، ١٦١٢٩-١٣٣، ٢٩٦-٢٩٨، ١٧٩٥، ٩٦، ٩٩وبيان تلبيس الجهمية ١١٦٣-٢١٧. واقتضاء الصراط المستقيم ١٤٠٩.
وانظر: الإرشاد للجويني ص ٢٦٨ وما بعدها. ونهاية الإقدام للشهرستاني ص ٢٩٧. ومحصل أفكار المتقدمين للرازي ص ٢٠٥. والفصل لابن حزم ٣١٧٤. والمغني في أبواب التوحيد والعدل لعبد الجبار الهمذاني ٦٤٨، ١١٩٢-٩٣.
ولعل القول الذي قصده شيخ الإسلام رحمه الله أنّه يُقال للفلاسفة نظير ما قيل لنفاة الصفات، هو ما صرّح به بقوله: "على هذا فكلّ ما فعله علمنا أنّ له فيه حكمة. وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل. وعدم علمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفيّة ذاته، وكما أنّ ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا. وأما كنه ذاته فغير معلومة لنا، فلا نُكذّب بما علمناه ما لم نعلمه. وكذلك نحن نعلم أنّه حكيم فيما يفعله ويأمره، وعدم علمنا بالحكمة في بعض الجزئيّات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته. فلا نُكذّب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها" مجموعة الرسائل ٤-٥٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>