للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنبيّ الله هو [الذي] ١ ينبّئه الله، لا غيره. ولهذا أوجب الله الإيمان بما أوتيه النبيون؛ فقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوْتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوْتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ٢، وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ٣، وقال تعالى: {وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} ٤.

وليس كل من أوحي إليه الوحي العام٥ يكون نبيّاً؛ فإنه قد يوحى إلى


١ ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
٢ سورة البقرة، الآية ١٣٦.
٣ سورة البقرة، الآية ٢٨٥.
٤ سورة البقرة، الآية ١٧٧.
٥ الوحي: لغة يأتي بمعان كثيرة، وهو ما يطلق عليه الشيخ رحمه الله هنا: (الوحي العامّ) ؛ فهو يأتي بمعنى الإلهام للإنسان وللحيوان، وبمعنى الأمر، وبمعنى أن تكلّمه بكلام تخفيه من غيره، ويأتي بمعنى الإشارة السريعة، وبمعنى الكتابة والكتاب والمكتوب، وبمعنى الرسالة والبعث، وبمعنى العجلة والسرعة، وبمعنى الإيماء بالجوارح، وبمعنى التصويت شيئاً بعد شيء. انظر لسان العرب لابن منظور ١٥٣٨٠-٣٨٢.
وأما في الاصطلاح: فنقل شيخ الإسلام رحمه الله كلام الزهري رحمه الله في معنى الوحي؛ فقال: "الوحي ما يوحي الله إلى النبيّ من أنبيائه عليهم السلام، ليثبت الله عزّ وجلّ ما أراد من وحيه في قلب النبيّ، ويكتبه، وهو كلام الله ووحيه، ومنه ما يكون بين الله وبين رسله، ومنه ما يتكلّم به الأنبياء ولا يكتبونه لأحد، ولا يأمرون بكتابته، ولكنّهم يُحدّثون به الناس حديثاً، ويُبيّنونه لهم؛ لأنّ الله أمرهم أن يُبيّنوه للناس ويبلغوهم إياه، ومن الوحي ما يرسل الله به من يشاء ممن اصطفاه من ملائكته؛ فيُكلّمون به أنبياءه من الناس، ومن الوحي ما يُرسل الله به من يشاء من الملائكة؛ فيوحيه وحياً في قلب من يشاء من رسله.
قلت: فالأول: الوحي؛ وهو الإعلام السريع الخفي إما في اليقظة وإما في المنام؛ فإنّ رؤيا الأنبياء وحي، ورؤيا المؤمنين جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة؛ كما ثبت ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصحاح..". انظر في تخريج حديث الرؤيا: صحيح البخاري ٦٢٥٦٢، كتاب التعبير، باب رؤيا الصالحين. وصحيح مسلم ٤١٧٧٣، كتاب الرؤيا. ومسند أحمد ٢١٨، ٥٠، ٢٢٩.
ثمّ ذكر شيخ الإسلام رحمه الله الوحي بمعناه العام؛ فقال: "فهذا الوحي يكون لغير الأنبياء، ويكون يقظة ومناماً، وقد يكون بصوت هاتف، يكون الصوت في نفس الإنسان، ليس خارجاً عن نفسه يقظة ومناماً؛ كما يكون النور الذي يراه أيضاً في نفسه ... ) . مجموع الفتاوى ١٢٣٩٧-٣٩٨، ٤٠٢. وانظر بغية المرتاد ص ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>