فأجاب رحمه الله بقوله: "الجنة التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف الأمة وأهل السنة والجماعة: هي جنة الخلد. ومن قال إنها جنة في الأرض بأرض الهند، أو بأرض جدة، أو غير ذلك، فهو من المتفلسفة والملحدين، أو من إخوانهم المتكلمين المبتدعين؛ فإنّ هذا يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة. والكتاب والسنة يردّ هذا القول، وسلف الأمة وأئمتها متفقون على بطلان هذا القول) . ثمّ ذكر رحمه الله الأدلة التي يعتضد بها هذا القول. انظر مجموع الفتاوى ٤٣٤٧-٣٤٩. ولعلّ قائلاً يقول: هذا تناقض من الشيخ رحمه الله؛ حيث يرجح في موضع أنها جنة الخلد، وفي موضع آخر أنها جنة التكليف. والذي يظهر لي والله أعلم أنّ الشيخ رحمه الله كان يرى أنّ المسألة لا تقتضي إلا قولاً واحداً، وهو أنّ الجنة جنة الخلد؛ كما نقلنا عنه آنفاً، وجعله قول أهل السنة قاطبة، ولم يقل بغير ذلك إلا المعتزلة والفلاسفة والملاحدة. والملاحظ على شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب النبوات أنّه يجعل للمسألة قولين معتبرين عند أهل السنة، إلا أنّ أصحهما أنها جنة التكليف. وهذا يدلّ على أنّ المسألة مختلف فيها عند شيخ الإسلام، وأنّ له فيها قولين. وعلى كلّ حال: فهذا تلميذه العلامة ابن القيم، وهو ممن حفظ لنا علم شيخه ابن تيمية رحمه الله يذكر أدلة كلّ فريق، ولا يرجح قولاً على قول، بل يتوقف في المسألة لقوة أدلة كلا الفريقين. وعموماً: فالمسألة ليست من المسائل التي يتوقف عليها أمر تعبّديّ، بل هي من الأمور الخبرية. ٢ سورة القلم، الآية ١٧.