وقد صرّح المؤلف بوجوب معرفة الفروق بين آيات الأنبياء وخوارق غيرهم؛ فقال رحمه الله تعالى: "فينبغي أن يُتدبّر هذا الموضوع، وتُعرف الفروق الكثيرة بين آيات الأنبياء وبين ما يشتبه بها؛ كما يُعرف الفرق بين النبيّ والمتنبئ، وبين ما يجيء به النبيّ، وما يجيء به المتنبئ". انظر ص ١٧٣ من هذا الكتاب. وقال أيضاً رحمه الله تعالى: "فإنّ الكلام في المعجزات وخصائصها، والفرق بينها وبين غيرها من أشرف العلوم. وأكثر أهل الكلام خلطوا فيه تخليطاً". قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق ص ١٦٤. ٢ شيخ الإسلام رحمه الله يوجه تعريف كل من المعتزلة والأشاعرة، وحدّهم لآيات الأنبياء، وما يحمله على القول الصحيح، ويُبيّن أنه لو كان مرادهم بالحدود التي حدّوها هو هذا المعنى، لاتحد تعريف المعتزلة والأشاعرة مع تعريف أهل السنة والجماعة، وكانت التفاسير الثلاثة صحيحة. وتفسير ذلك: أنّ المعتزلة حدوا معجزات الأنبياء بأنها خارقة للعادة، وكذبوا بخوارق الأولياء والسحرة والكهان، ونفوا وجودها، وقالوا: إن خرق العادة لا يكون إلا للأنبياء. والأشاعرة: جعلوا المعجزة هي الخارق المقرون بالتحدي بالمثل، مع عدم المعارضة، وجوزوا أن يأتي غير الأنبياء بمثل ما أتوا به ولو لم يدعوا النبوة، فسووا بين خوارق الأنبياء والأولياء والسحرة والكهان. والشيخ رحمه الله يوضح أن خرق العادة وعدم المعارضة هذا من صفات المعجزة، ليس من حدودها. ولو أنّ المعتزلة فسروا خرق العادة بأنها خرق لعادات غير الأنبياء؛ أي لا يكون لغير جنسهم وجنس من صدّقهم. ولو أنّ الأشاعرة فسروا عدم المعارض بأنه لا يقدر أن يأتي بها من ليس بنبيّ، أو متبع لنبيّ، كان المعنى واحداً، واتفق كل من المعتزلة والأشاعرة مع تعريف أهل السنة والجماعة.