للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر؛ فإنّ هذا طاعتهم فيما أمرهم الله به من عبادته وطاعته؛ كطاعة الإنس لنبيِّنا، حيث أرسل إلى الطائفتين، فدعاهم إلى عبادة الله وحده وطاعته، ونهاهم عن معصيته التي بها يستحقون العذاب في الآخرة، وكذلك الرسل دعوهم إلى ذلك، وسليمان منهم، لكن هذا إنما ينتفع به منهم من آمن طوعاً، ومن لم يؤمن، فإنّه يكون بحسب شريعة ذلك الرسول: هَلْ يُترك حتى يكون الله هو الذي ينتقم منه، أَوْ يُجَاهَد؟.

وسليمان كان على شريعة التوراة١، واستخدامه لمن لم يؤمن منهم، هو مثل استخدام الأسير الكافر.

حال نبينا مع الجن والإنس أكمل من حال سليمان وغيره

فحال نبيِّنا مع الجنّ والإنس: أكمل من حال سليمان وغيره؛ فإنّ طاعتهم لسليمان كانت طاعة ملكية فيما يشاء، وأما طاعتهم لمحمّد فطاعة نبوة ورسالة فيما يأمرهم به؛ من عبادة الله، وطاعة الله، واجتناب معصية الله؛ فإنّ سليمان صلى الله عليه وسلم كان نبياً مَلِكاً، ومحمد كان عبداً رسولاً، مثل إبراهيم٢


١ تقدّمت إشارة شيخ الإسلام رحمه الله إلى ذلك في ص ٩١٩ من هذا الكتاب.
٢ سبق بيان ذلك فيما مضى، انظر ص ١٣٢، ٦٣٦ من هذا الكتاب.
وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله إلى هذه الحقيقة في موضع آخر من كتبه، فقال: "فإنّ نبينا صلى الله عليه وسلم كان يتصرّف في الجنّ كتصرفه في الإنس تصرّف عبد رسول يأمرهم بعبادة الله وطاعته، لا يتصرف لأمر يرجع إليه، وهو التصرف الملكي؛ فإنه كان عبداً رسولاً، وسليمان نبي ملك، والعبد الرسول أفضل من النبيّ الملك؛ كما أنّ السابقين المقربين أفضل من عموم الأبرار أصحاب اليمين". مجموع الفتاوى ١٩٥١. وانظر المصدر نفسه ١٣٨٩.
وقال أبو نعيم الحافظ الأصبهاني: "فإن قيل: فإن سليمان كانت تأتيه الجنّ، وإنها كانت تعتاص عليه حتى يصفدها ويقيدها. قيل: فإن: محمداً صلى الله عليه وسلم كانت تأتيه الجن راغبة إليه، طائعة له، معظمة لشأنه، ومصدقة له، مؤمنة به، متبعة لأمره، متضرعة له، مستمدين منه، ومستمنحين له زادهم ومأكلهم. فجعل كل روثة يصيبونها تعود علفاً لدوابهم، وكل عظم يعود طعاماً لهم، وصرفت لنبوته أشراف الجن وعظماؤهم التسعة الذين وصفهم الله تعالى، فقال: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف ٢٩] ، وقوله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} إلى قوله: {لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً} [الجن ١-٧] . وأقبلت إليه صلى الله عليه وسلم الألوف منهم مبايعين له على الصوم والصلاة والنصح للمسلمين، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططاً. فسبحان من سخّرها لنبوته صلى الله عليه وسلم بعد أن كانت شراراً تزعم أن لله ولداً، فلقد شمل مبعثه من الجن والإنس ما لا يحصى. هذا أفضل مما أُعطي سليمان عليه السلام". دلائل النبوة لأبي نعيم ٢٧٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>