للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمّا أخبرهم بما جاء به، وقرأ عليهم ما أُنزل عليه١. وبقي القرآن الذي قرأه آية، وما يعرفون من صدقه وأمانته، مع غير ذلك من القرائن، يوجب علماً ضروريّاً بأنّه صادق.

وخبر الواحد المجهول من آحاد الناس، قد تقترن به قرائن، يُعرف بها صدقه بالضرورة٢.


١ يدلّ عليه حديث عمار رضي الله عنه، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد، وامرأتان، وأبو بكر". أخرجه البخاري ٣١٣٣٨، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذاً خليلاً".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي - مرتين – "، فما أوذي بعدها. أخرجه البخاري ٣١٣٣٩، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذاً خليلاً ".
٢ قال الشيخ رحمه الله تعالى: "إن كثيراً من الناس إذا رأوا الكاذب، وسمعوا كلامه، تبين لهم كذبه تارة بعلم ضروري، وتارة بعلم استدلالي، وتارة بظن قوي. وكذلك النبي الصادق إذا رأوه وسمعوا كلامه، فقد يتبين لهم صدقه بعلم ضروري، أو نظري. وقد يكون أولاً بظن قوي، ثم يقوى الظنّ حتى يصير يقيناً، كما في المعلوم بالأخبار المتواترة والتجارب؛ فإن خبر الأول يفيد نوعاً من الظنّ، ثم يقوى بخبر الثاني، والثالث، حتى يصير يقيناً". الجواب الصحيح ٦٥٠٥. وانظر المصدر نفسه ٦٤٧١-٤٧٣.
وقال أيضاً: "إن المحققين من كل طائفة على أن خبر الواحد والاثنين والثلاثة قد يقترن به من القرائن ما يحصل معه العلم الضروري بخبر المخبر، بل القرائن وحدها قد تفيد العلم الضروري، كما يعرف الرجل رضا الرجل وغضبه، وحبه وبغضه، وفرحه وحزنه، وغير ذلك مما في نفسه بأمور تظهر على وجهه قد لا يمكنه التعبير عنها.... ولا يقول عاقل من العقلاء أن مجرد خبر الواحد، أو خبر كل واحد يفيد العلم، بل ولا خبر كل خمسة، أو عشرة، بل قد يُخبر ألف، أو أكثر من ألف ويكونون كاذبين إذا كانوا متواطئين. وإذا كان صدق المخبر أو كذبه يعلم بما يقترن به من القرائن، بل في لحن قوله وصفحات وجهه، ويحصل بذلك علم ضروري لا يمكن المرء أن يدفعه عن نفسه، فكيف بدعوى المدّعي أنه رسول الله..". شرح الأصفهانية ٢٤٧٨.
وقال رحمه الله أيضاً: "جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أنّ خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له، أو عملاً به، أنه يوجب العلم. وهذا هو الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه.... والمقصود هنا: أن تعدد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون المنقول، لكن هذا ينتفع به كثيراً في علم أحوال الناقلين، وفي مثل هذا يُنتفع برواية المجهول، وسيئ الحفظ، وبالحديث المرسل، ونحو ذلك، ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث، ويقولون إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره..". مجموع الفتاوى ٣٣٥٢، وانظر: المصدر نفسه ٢٠٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>