للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء المعارضون قد تحدّاهم في غير موضع١، وقال: {قُلْ لَئِن اجْتَمَعَت الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لا يَأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرَاً} ٢.

والرسول أخبر بهذا خبراً تامّاً في أوّل الأمر، وهذا لا يمكن إلاَّ مع قطعه أنّه على الحق. وإلى الآن لم يوجد أحدٌ أنزلَ مثل ما أنزل الله.

وقوله: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ} ، ولم يقل: أقدر أن أنزل؛ فإن قوله: {سَأُنْزِلُ} : هو وعدٌ بالفعل، وبه يحصل المقصود؛ بخلاف قوله: أقدر؛ فإنّه لا يحصل به غرض المعارض، وإنّما يحصل إذا فعل. فمن وعد بإنزال مثل ما أنزل، كان من أظلم الناس وأكذبهم؛ إذ كان قد تبيَّن عجز جميع الثقلين؛ الإنس، والجن، عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن.

وقوله: {مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّه} : يقتضي أنّ كلّ ما أنزله الله على أوليائه، فهو معجزٌ، لا يقدر عليه إلا الله؛ كالتوراة، والإنجيل، والزبور.

وهذا حقٌ٣؛ فإنّ في ذلك من أنباء الغيب، ما لا يعلمه إلا الله، وفيه


١ القرآن الكريم هو كلام الله، وهو من أعظم معجزات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المعجزة الباقية الخالدة من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قرب قيام الساعة. وقد تحدّى الله سبحانه وتعالى به الخلق جميعاً من الجنّ والإنس، والعرب والعجم على أن يأتوا بمثله، قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [سورة الإسراء، الآية ٨٨] . فلما عجزوا تحداهم بعشر سور، فقال سبحانه: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} ، فلما عجزوا تحداهم بسورة واحدة، قال تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} .
وقد تحدث الشيخ رحمه الله عن تحدي الله سبحانه وتعالى للخلق بالقرآن في هذا الكتاب. انظر ص ٦٢١-٦٢٤.
٢ سورة الإسراء، الآية ٨٨.
٣ سبق توضيح ذلك. انظر ص ٦٢٤-٦٢٨ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>