للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنّاس إنّما يعلمون أن الجبال لم تنقلب يواقيت، لعلمهم بأنّ هذا ممتنع، وأنّ الله إذا أراد قلبها يواقيت، أحدث أسبابا تقتضي ذلك١.

فأما انقلاب العادة بلا سبب: فهذا ممتنع عند العقلاء. وجميع ما خرق الله به العادة كان لأسباب تقتضيه، ولِحِكَمٍ فعل لأجلها٢، لم [تكن] ٣ ترجيحاً بلا مرجّح، كما يقوله هؤلاء، فهذا هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


١ قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ليس كلّ ما عُلم إمكانه جُوّز وقوعه، فإنا نعلم أن الله قادر على قلب الجبال ياقوتاً، والبحار دماً، ونعلم أنه لا يفعل ذلك". شرح الأصفهانية ٢٤٧١.
٢ وقد ردّ شيخ الإسلام رحمه الله على هؤلاء الذين يُجوّزون نقض العادات بدون سبب ولا حكمة، فقال: "وكل ما وجد في العالم من خوارق العادات؛ آيات الأنبياء وغيرها، لم يأت منها شيء إلا بأسباب تقدمته؛ كآيات موسى؛ من مثل مصير العصا حية، كانت بعد أن ألقاها؛ إما عند أمر الله له بذلك لما ناداه من الشجرة ورأى النار الخارقة للعادة؛ وإما عند مطالبة فرعون له بالآية؛ وإما عند معارضة السحرة لتبتلع حبالهم وعصيهم. وكذلك سائر آياته، حتى إغراق فرعون كان بعد مسير الجيش، وضربه البحر بالعصا، وكذلك تفجّر الماء من الحجر كان بعد أن ضرب الحجر بعصاه واستسقاء قومه إياه وهم في برية لا ماء عندهم.
وكذلك آيات نبينا صلى الله عليه وسلم؛ مثل تكثير الماء، كان بوضع يده فيه، حتى نبع الماء من بين الأصابع؛ أي تفجّر الماء من بين الأصابع، لم يخرج من نفس الأصابع. وكذلك البئر كان ماؤها يكثر إما بإلقائه سهماً من كنانته فيها، وإما بصبه الماء الذي بصق فيه.
وكذلك المسيح كان يأخذ من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه، فيكون طيراً بإذن الله، إلى أمثال ذلك. فأما جبل ينقلب ياقوتاً بلا أسباب تقدمت ذلك، فهذا لا كان ولا يكون. وكذلك نهر يطرد يصير لبناً بلا أسباب تقتضي ذلك يخلقها الله، فهذا لا كان ولا يكون". الجواب الصحيح ٦٤٠٣-٤٠٤. وانظر: شرح الأصفهانية ٢٤٧٩.
٣ في ((م)) ، و ((ط)) : يكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>