للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفراء١: أصله من دأبت، إلا أن العرب حوّلت معناه إلى الشأن٢.

قلت: الزَّجَّاج جعل ما في القرآن من الدأب، الذي هو الاجتهاد٣. والصواب: ما قاله الجمهور؛ أنَّ الدأب - بالتسكين -: هو العادة، وهو غير الدأب بالتحريك؛ إذا زاد اللفظ زاد المعنى، والذي في القرآن مُسَكَّنٌ، ما علمنا أحداً قرأه بالتحريك، وهذا معروف في اللغة؛ يقال: فلانٌ دَأْبُهُ كذا وكذا: أي هذا عادته وعمله اللازم له، وإن لم يكن في ذلك تعبٌ واجتهاد، ومنه قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَائِبَيْنِ} ٤، والدائب نظير الدائم، والباء والميم متقاربتان؛ ومنه: اللازب واللازم. قال ابن عطية٥: "دائبين، أي: متماديين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الجمل الذي بكى وأجهش إليه: "إنَّ هذا الجمل شكى إلي أنك تُجيعه وتُدئبُه٦"٧؛ أي


١ هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسدي، مولاهم الكوفي، النحوي العلامة، صاحب التصانيف، أبو زكريا. له مشاركات في علوم كثيرة. توفي سنة ٢٠٧ ?. انظر: سير أعلام النبلاء ١٠١١٨-١٢١. والبداية والنهاية ١٠٢٦١. وتهذيب التهذيب ١١٢١٢-٢١٣. والأعلام ٨١٤٥-١٤٦.
٢ انظر: الصحاح للجوهري١١٢٣-١٢٤. ولسان العرب١٣٦٩. وانظر: تفسير الطبري ٣١٩١ - ونقله عن السدي -. والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٢٩٥.
٣ انظر: زاد المسير ١٣٥٥. وانظر ما سبق، ص ١١٨٥ من هذا الكتاب.
٤ سورة إبراهيم، الآية ٣٣.
٥ هو أبو محمد عبد الحق بن الحافظ أبي بكر غالب بن عطية المحاربي الغرناطي. كان إماماً في الفقه وفي التفسير وفي العربية، قوي المشاركة، ذكياً فطناً مدركاً، من أوعية العلم. ولد سنة ٤٨٠ هـ. وتوفي سنة ٥٤١ هـ، وقيل: ٥٤٢ هـ. سير أعلام النبلاء ١٩٥٨٧-٥٨٨.
٦ في تفسير ابن عطية: وتديبه.
وقال ابن الأثير عند شرح غريب هذا الحديث: "أي تكده وتتعبه، دأبَ يدأبُ دأباً ودُؤوباً وأدأبته أنا". النهاية في غريب الحديث ٢٩٥.
٧ أخرجه الإمام أحمد في المسند ١٢٠٤، وكذلك في ص ٢٠٥. وأبو داود في سننه ٣٤٩-٥٠، كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>