إبراهيم بك برجوع البرديسي وصحبته عثمان بك الأشقر ليقول الأشقر لمراد بك ما يقوله فلما اجتمع به ورجع لم يرجع على ما كان عليه حال ذهابه وفترت همته وجنح لراي مراد بك واستمر الحال على ما هو عليه من اشتعال نيران الحرب وشدة البلاء والكرب ووقوع البنبات على الدور والمساكن من القلاع والهدم والحرق وصراخ النساء من البيوت والصغار من الخوف والجزع والهلع مع القحط وفقد المآكل والمشارب وغلق الحوانيت والطوابين والمخابز ووقوف حال الناس من البيع والشراء وتفليس الناس وعدم وجدان ما ينفقونه أن وجدوا شيئا واستمر ضرب المدافع والقنابر والبنادق والنيران ليلا ونهارا حتى كان الناس لا يهنأ لهم نوم ولا راحة ولا جلوس لحظة لطيفة من الزمن ومقامهم دائما أبدا بالأزقة والأسواق وكأنما على رؤوس الجميع الطير وأما النساء والصبيان فمقامهم بأسفل الحواصل والعقودات تحت طباق الأبنية إلى غير ذلك.
وفي اثناء ذلك فرضوا على الناس من أهل الأسواق وغيرهم مائة كيس فردوها على بعض الناس كالسادات والصارى وصار مؤونة غالب الناس الارز ويطبخونه بالعسل وباللبن ويبيعون ذلك في طشوت وأوان بالأسواق وفي كل ساعة تهجم العساكر الفرنساوية على جهة من الجهات ويحاربون الذين بها ويملكون منهم بعض المتاريس فيصيحون على بعضهم بالمناداة يتسامع الناس ويصرخون على بعضهم البعض ويقولون عليكم بالجهة الفلانية الحقوا اخوانكم المسلمين فيرمحون إلى تلك الخطة والمتاريس حتى يجلوهم عنها وينتقلون إلى غيرها فيفعلون كذلك وكان المتحمل لغالب هذه المدافعات حسن بك الجداوي فإنه كان عند ما يبلغه زحف الفرنساوية على جهة من الجهات يبادر هو ومن معه للذهاب لنصرة تلك الجهة ورأى الناس من اقدامه وشجاعته وصبره على مجالدة العدو ليلا ونهارا ما ينبىء عن فضيل نفس وقوة قلب وسمو همة وقل أن وقع حرب في جهة من الجهات إلا وهو مدير رحاها ورئيس كماتها هذا والاغا والوالي يكررون المناداة وكذلك المشايخ والفقهاء والسيد أحمد