وهرب إلى اسكندرية وحضر إلى مصر والتجأ إلى مراد بك فأكرمه وأنزله منزلا حسنا عنده بالجيزة وصار خصيصا به. وسبب مجيئه إلى مصر ولم يرجع إلى القبطان علمه أنه صار ممقوتا في الدولة لأن من قواعد دولة العثمانيين أنهم إذا أمروا أميرا في ولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصا إذا كان ذا مال. ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما ولما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان وذهبوا إلى أمير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وأنه يفعل بهما الفاحشة فأرسل معهم جماعة من اتباعه في حصة مهملة وكبسوا عليه على حين غفلة فوجدوه راقدا ومعه أجد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحا بالغا وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة أمير الحاج. ثم رجع إلى مصر من البحر أيضا وأقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات إلى أن حضر الفرنسيس إلى الديار المصرية فقاتل مع الأمراء وتغرب معهم في قبلي وغيره ثم انفصل عنهم وذهب من خلف الجبل وسار إلى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات إلى الدولة فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا واخرجوه ووصل الخبر إلى اسلامبول فطلب ولاية مصر على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية وأوامرها بمصر وليس بها إلا طاهر باشا والارنؤد وجعل على نفسه قدرا عظيما من المال ووصل إلى اسكندرية وبلغه انعكاس الأمر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الارنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة فاراد أن يدير أمرا ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه والجادع بيده مارن أنفه ولم يعلم أنها القاهرة كم قهرت جبابرة وكادت فراعنة:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده