له بعض من حضر من مسلمى اليهود: إن لنا حسابا مثله مسندا إلى الأسكندر فما ارتضاه الآخرون لما فيه من الطول وقال قوم: نكتب على تاريخ الفرس قيل: إن تواريخهم غير مسندة إلى مبدأ معين بل كلما قام منهم ملك ابتدأوا التاريخ من لدن قيامه وطرحوا ما قبله فاتفقوا على أن يجعلوا تاريخ دولة الإسلام من لدن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن وقت الهجرة لم يختلف فيه أحد بخلاف وقت ولادته ووقت مبعثه صلى الله عليه وسلم.
وكان للعرب في القديم من الزمان بأرض اليمن والحجاز تواريخ يتعارفونها خلفا عن سلف إلى زمن الهجرة فلما هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وظهر الإسلام وغلت كلمة الله تعالى اتخذت هجرته مبدأ لتاريخها وسميت كل سنة باسم الحادثة التي وقعت فيها وتدرج ذلك إلى سنة عشرة من الهجرة في زمن عمر فكان اسم السنة الأولى سنة الإذن بالرحيل من مكة إلى المدينة والثانية سنة الأمراي بالقتال إلى آخره. وقال أصحاب التواريخ: إن العرب في الجاهلية كانت تستعمل شهور الأهلة وتقصد مكة للحج وكان حجهم وقت عاشر الحجة كما رسمه سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولكن لما كان لا يقع في فصل واحد من فصول السنة بل يختلف موقعه منها بسبب تفاضل ما بين السنة الشمسية والقمرية ووقوع أيام الحج في الصيف تارة وفي الشتاء أخرى وكذا في الفصلين الآخرين أرادوا أن يقع حجهم في زمان واحد لا يتغير وهو وقت إدراك الفواكه والغلال واعتدال الزمن في الحر والبرد ليسهل عليهم السفر ويتجروا بما معهم من البضائع والأرزاق مع قضاء مناسكهم.
فشكوا ذلك إلى أميرهم وخطيبهم فقام في الموسم عند إقبال العرب من كل مكان فخطب ثم قال: أنا أنشأت لكم في هذه السنة شهرا ازيده فتكون السنة ثلاثة عشر شهرا وكذلك أفعل في كل ثلاث سنين أو اقل حسبما يقتضيه حساب وضعته ليأتي حجكم وقت إدراك الفواكه والغلال.