والعزلة والخلوة قال: فبينما أنا جالس في الخلوة إذا بداع يدعوني إليه فجئت إليه فوجدت بين يديه مائدة فقال: أنت صائم قلت نعم فقال: كل فامتثلت امره وأكلت فقال: اسمع ما أقول لك أن كان مرادك صوما وصلاة وجهادا أو رياضة فليكن ذلك في بلدك وأما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد اوقاتك بما تروم من المجاهدة وإنما يكون ذلك بحسب الأستطاعة وكل واشرب وانبسط قال: فامتثلت اشارته ومكثت عنده أربعة أشهر كأنها ساعة غير إني لم افارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه المدة الأسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان واشهد مشاهد الجمع الأول والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني اسرار المثاني ثم لما انقضت المدة واراد العود إلى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى وصل إلى غزة فبلغ خبره أمير تلك القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه مع قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء الطريق اعراب فخاوفوهم فقالوا لأهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وإن كنا منهم فلا نقدر نكلمكم وهذا معكم وأشاروا إلى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى انتهوا إلى مكان في اثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم: إن طريقكم هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقال لهم: إعراب ذلك المكان نحن نسير معكم ونسلك بكم طريقا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرا من الدراهم نأخذه منكم إذا وصلتم إلى بلبيس فتوقف الركب أجمعه فقال الأستاذ: أنا ادفع لكم هذا القدر هنالك فقالوا لا سبيل إلى ذلك كيف تدفع أنت وليس لك في القفل شيء والله ما نأخذ منك شيئا إلا أن ضمنت أهل القافلة فقبل ذلك فاتفق الرأي على دفع الدراهم من أرباب التجارات بضمانة الشيخ فضمنهم وساروا حتى وصلوا إلى بلبيس ثم منها إلى القاهرة فسرت به أتم سرور وأقبل عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب وأخذ العهود على العالم.