وذلك أنه لما تم له الأمر وملك البلاد المصرية والشامية واذعن الجميع لطاعته وقد أرسل إسمعيل أغا اخا علي بيك الغزاوى إلى اسلامبول يطلب امرية مصر والشام وأرسل صحبته أموالا وهدايا فأجيب إلى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع والبرق والداقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الأمر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا فامتلأ فرحا وحم بدنه في الحال فأقام محموما ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن ربيع الثاني. ووافى خبر موته إسمعيل آغا عندما تهيأ ونزل في المراكب يريد المسير إلى مخدومه فانتقض الأمر وردت التقاليد وباقي الأشياء. ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فرح الأمراء والأجناد الذين بصحبته برجوعهم إلى مصر وصاروا متشوقين للرحيل والرجوع إلى الأوطان. فاجتمعوا إليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته فتبين لهم من كلامه عدم العود وانه يريد تقليدهم المناصب والاحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بارسال المكاتبات إلى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنوهم ويطلبوا احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين إليها من مصر. فعند ذلك اغتموا وعلموا أنهم لا براح لهم وإن أمله غير هذا وذهب كل إلى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل: وأقمنا على ذلك الثلاثة أيام التي تمرض فيها وأكثرنا لا يعلم بمرضه ولا يدخل إليه إلا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك إلا بقولهم في اليوم الثالث أنه منحرف المزاج. فلما كان في صبح الليلة التي مات بها نظرنا إلى صيوانه وقد انهدم ركنه وأولاد الخزنة في حركة ثم زاد الحال وجردوا على بعضهم السلاح بسبب المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي وحضر مراد بيك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراءهم وتشاوروا في أمرهم وأرضي خواطرهم خوفا من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم فيهم. واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم.