واشتد الكرب وضاق خناق الناس وتعطلت أسبابهم ووقع الصياح في أطراف الحارات من الحرامية والسراق والمناسر نهارا والاغا والوألي والمحتسب مقيمون بالقلعة لا يجسرون على النزول منها إلى المدينة وتوقع كل الناس نهب البلد من أوباشها. وكل ذلك والمآكل موجودة والغلال معرمة كثيرة بالرقع ورخصت أسعارها والاخباز كثيرة وكذلك أنواع الكعك والفطير وأشيع وصول مراكب القبطان إلى شلقان ففرح الناس وطلعوا المنارات والاسطحة العالية ينظرون إلى البحر فلم يروا شيئا. فأشتد الانتظار وزاغت الأبصار فلما كان بعد العصر سمع صوت مدافع على بعد ومدافع ضربت من القلعة ففرحوا واستبشروا وحصل بعض الأطمئنان وصعدوا أيضا على المنارات فرأوا عدة مراكب ونقاير وصلت إلى قرب ساحل بولاق ففرح الناس وحصل فيهم ضجيج وكان مراد بك وجماعة من صناجقة وامرائه قد ذهبوا إلى بولاق وشرعوا في عمل متاريس جهة السبتية واحضروا جملة مدافع على عجل وجمعوا الاخشاب وحطب الذرة وافرادا وغيرها فوردت مراكب الأروام قبل اتمامهم ذلك فتركوا العمل وركبوا في الوقت ورجعوا. وضجت الناس وصرخت الصبيان وزغرتت النساء وكسروا عجل المدافع.
وفي هذا اليوم أرسل الأمراء مكاتبة إلى المشايخ والوجاقات يتوسلون بهم في الصلح وإنهم يتوبون ويعودون إلى الطاعة فقرئت تلك المكاتبات بحضرة الباشا فقال الباشا: سبحان الله كم يتوبون ويعودون ولكن أكتبوا لهم جوابا معلقا على حضور قبطان باشا. فكتبوه وأرسلوه.
وفي وقت العشاء من ليلة الإثنين وصل حسن باشا القبطان إلى ساحل بولاق وضربوا مدافع لقدومه واستبشر الناس وفرحوا وظنوا أنه مهدى الزمان فبات في مراكبه إلى الصباح يوم الإثنين ثاني عشر شوال وطلع.