وفي يوم الثلاثاء نودي على جميع الالضاشات بالخروج إلى الوطاق وكذلك المقيمون بالقلعة فتكدر الناس لذلك واختفوا في الدور ولبس كثير منهم ملابس الفقهاء والمجاورين وسبب ذلك عدم قدرتهم على الخروج من غير مصرف فإذا خرج فقير الحال لا يجد ما يأكله ولا ما ينفقه عياله في غيبته ولا يفيده إلا مقاساة الجوع والبرد والغربة والمشقة.
وفي يوم الأحد حادي عشره نزل الحجاج ودخلوا مصر على حين غفلة وهم في أسوأ حال من العري والجوع ونهبت جميع أحمال أمير الحاج وأحمال التجار وجمالهم وأثقالهم وأمتعتهم واسر العرب جميع النساء بالأحمال وكان أمرا شنيعا جدا ثم أن الحجاج استغاثوا بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي فتكلم مع العرب في أمر النساء فأحضروهن عرايا ليس عليهن إلا القمصان وأجلسوهن جميعا في مكان وخرجت الناس افواجا فكل من وجد امرأته أو أخته أو أمه أو بنته وعرفها اشتراها ممن هي في اسره وصارت المرأة من نساء العرب تسوق الأربعة من الجمال والخمسة باحمالها فلا تجد مانعا وسبب ذلك كله رعونة أمير الحاج فإنه لما أراد أن يتوجه بالحجاج إلى المدينة أرسل إلى العرب فحضر إليه جماعة من أكابرهم فدفع لهم عوائد سنتين وقسط البواقي على السنين المستقبلة بموجب الفرمان وحجز عنده أربعة أشخاص رهائن فبدا له أن كواهم بالنار في وجوههم فبلغ ذلك أصحابهم فقعدوا للحجاج في الطريق فبلغ أمير الحاج ذلك فذهب من طريق أخرى فوجدهم رابطين فيها أيضا فقاتلوه قتالا هينا ففر هاربا وترك الحجاج والعرب فنهبوا حملته وقتلوا مماليكه ولم يبق معه إلا القليل فهرب بمن بقي معه واختفى عن الحجاج ثلاثة أيام ولم يره أجد وفعلت العرب في الحجاج ما فعلوه وأخذوا ما أخذوه فلم ينج منهم إلا من طال عمره وسلم نفسه أو افتداها