للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اختلفت الأصوات، وسمع لكل خرق منها صوت لا يشبه صاحبه، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم١، باعتماد على جهات مختلفة، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة.

ونظير ذلك أيضا وتر العود، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل، سمعت له صوتا، فإن حصر٢ آخر الوتر ببعض أصابع يسراه، أدى صوتا آخر، فإن أدناها٣ قليلا، سمعت غير الاثنين، ثم كذلك كلما أدنى أصبعه من أول الوتر تشكلت لك أصداء مختلفة، إلا أن الصوت الذي يؤديه الوتر غفلا غير محصور، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور، أملس مهتزا٤، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر وصلابته، وضعفه ورخاوته٥، فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت من أقصى الحلق، وجريان الصوت فيه غفلا غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا.

وإنما أردنا بهذا التمثيل الإصابة والتقريب، وإن لم يكن هذا الفن مما لنا ولا لهذا الكتاب به تعلق، ولكن هذا القبيل من هذا العلم، أعني علم الأصوات والحروف، له تعلق ومشاركة للموسيقى، لما فيه من صنعة الأصوات والنغم.

فقد ثبت بما قدمناه معرفة الصوت من الحرف، وكشفنا عنهما بما هو متجاوز للإقناع في بابهما، ووضحت حقيقتهما لمتأملها.


١ فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم: تشبيه استعاري حيث يشبه الصوت بشيء مادي يقطع وتشبيه للثنايا التي تعترضه وتقطعه بأنها سكين حاد.
٢ حصر: أحاط به ومنعه من الحركة. لسان العرب "٢/ ٨٩٥". مادة "ح. ص. ر".
٣ أدناها: قربها. لسان العرب "٢/ ١٤٣٥". مادة "د. ن. أ".
٤ أملس مهتزا: تعدد نعت الصوت ووصفه بأنه أملس. مهتز ... يدل علي شدة دقة وصف الصوت حتي يتخيله السامع بناظريه وأذنيه معا وهذا يؤكد الفكرة ويقويها، لما فيها من تشبيه بليغ للصوت كأنه شيء مادي يمكن لمسه.
٥ ضعفه ورخاوته: الجمع بين الضعف والرخاوة يبين هيئة الصوت الناتج نتيجة ضعف الوتر ورخاوته. إذ يختلف بخلاف الصوت الناتج لو كان الوتر غفلا أو محصورا بالأصابع مثلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>