للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الابتداء من غير تقدم حرف الجزم عليه. ألا تراك لا تقول مبتدئا: أقم، على حد قولك: إن تقم أقم، فهذا كله يؤكد لك أن جواب الشرط سبيله أن يكون كلاما لا يحسن الابتداء به.

ولهذا أيضا ما جاز أن يجازي بإذا التي للمفاجأة، نحو قوله عز اسمه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: ٣٦] ١، فقوله: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} في موضع قنطوا، وإنما جاز لإذا هذه أن يجاب بها الشرط لما فيها من المعنى المطابق للجواب، وذلك أن معناها المفاجأة، ولا بد هناك من عملين، كما لا بد للشرط وجوابه من فعلين، حتى إذا صادفه ووافقه كانت المفاجأة مسببة بينهما، حادثة عنهما، وذلك قولك: خرجت فإذا زيد، فتقدير إعرابه: خرجت فبالحضرة زيد، فإذا التي هي ظرف في معنى قولنا بالحضرة، وزيد: مرفوع بالابتداء، والظرف قبله خبر عنه. فهذا تقدير الإعراب. وأما تفسير المعنى فهو: خرجت ففاجأت زيدا، وإن شئت خرجت ففاجأني زيد، لأن فعلت في أكثر أحوالها إنما تكون من اثنين، نحو ضاربت وقاتلت، فلما ذكرت لك من حال "إذ" هذه، وأن معناها المفاجأة والموافقة ووقوع الأمر مسببا عن غيره، ما جاز أن يجازى بها.

ويزيد حالها في ذلك وضوحا لك ما أنشدنا أبو علي عن أبي بكر، عن أبي العباس، عن أبي عثمان، عن الأصمعي، عن أبي عمرو: أن شيخا من أهل نجد أنشده:

استقدر الله خيرا وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير

وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير٢


١ يقنطون: ييأسون من رحمته، يقول الله حاكيا عن هؤلاء الكفار أنه سبحانه لو أصابهم بمكروه نتيجة أعمالهم ليأسوا من رحمته بدلا من أن يدعوه ليرفع ذلك عنهم وذلك لكفرهم به.
موضع الشاهد في الآية {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} .
إعراب الشاهد: إذا: فجائية.
هم: ضمير منفصل مبني على السكون المقيد في محل رفع مبتدأ.
يقنطون: فعل مضارع مرفوع، وواو الجماعة فاعل، والجملة في محل رفع خبر.
٢ البيتان لحريث بن جبلة العذري، وقيل لعش بن لبيد العذري. =

<<  <  ج: ص:  >  >>